عاشت تركيا، أمس، اليوم الأول من حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة لمدة ثلاثة أشهر، وباتت السلطات بمقتضاها محصورة بيد رئيس الدولة ورئيس الحكومة والولاة الذين صاروا يتمتعون بسلطات على خلاف الفترات السابقة، التي تولى فيها الجيش إدارة الطوارئ.

الملاحظة البادية للعيان منذ فشل الانقلاب صباح السبت الماضي، هي أن الإيقاع العام للشارع التركي آخذ في التغير التدريجي، وفي حين أن الحياة لا تبدو قد تأثرت مباشرة بالحدث الكبير الذي ستكون له تداعيات كبيرة على تركيا المستقبل، فإن الساحات العامة لا تزال تغص بأنصار الرئيس رجب طيب أردوغان، الذين لبوا دعوته للنزول إلى الشوارع. الناس الذين يجوبون الشوارع في تظاهرات، طيلة الوقت، يدركون أن الهدف الأساسي من نداء أردوغان لهم هو من الالتفاف حول جملة من الإجراءات التي شرعت بها الحكومة لتطويق مفاعيل الانقلاب وأولها قانون الطوارئ. ويرى خبراء أتراك أن هذه الفترة التي حددها القانون بثلاثة أشهر قابلة للتمديد مرتين، كل مرة أربعة أشهر، ستكون مكرسة لاحتواء تداعيات الانقلاب ووقف ارتداداته والسيطرة على الجيوب المعارضة داخل المؤسسة العسكرية التي تعتبر المتأثر الرئيسي.


دبلوماسي غربي: معالجة السلطة لذيول الانقلاب لن تكون سهلة

"
ويتداول الخبراء معلومات عن تحسبات من ردود فعل قد تبدر من طرف المؤسسة العسكرية تجاه إجراءات الطوارئ التي جاءت مقدماتها في عمليات "التنظيف" و"التطهير" الكبيرة، التي تتعرض لها منذ الساعات الأولى لفشل الانقلاب. وفي إسطنبول، قال مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد" أن اختبار قانون الطوارئ مرهون بالقدرة على إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية ضمن فترة زمنية لا تتجاوز السنة، واعتبر أن المحطة الأولى ستكون خلال عشرة أيام، حين يجتمع مجلس الشورى العسكري في مطلع شهر أغسطس/آب المقبل، الذي يتولى عادة إجراء تسريحات وإعفاءات وترقيات في أوساط الضباط. وأوضح أن الحكومة تأخذ في الدرجة الثانية رأي أحزاب المعارضة، التي وقفت معها ضد الانقلاب، ولكن بعضها بدأ يعلن خلافه مع بعض الإجراءات كما هو الحال مع حزب الشعب الجمهوري، الذي عارض فكرة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، واعتبر إعلان حالة الطوارئ "انقلاباً مدنياً" على البرلمان. ومع ذلك، تتسم العلاقة بين المعارضة والحكم بالحذر الشديد، إذ يتجنب الطرفان، حتى الآن، الدخول في مواجهة مفتوحة، في وقت يصعب فيه أن تؤيد أطراف المعارضة كافة إجراءات الحكومة.

مصدر الخوف يأتي في المقام الثالث من طرف المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، التي ترى أن الضرر الذي تتعرض له الحريات لن يكون بسيطاً، بل إن السلطة ستقوم بتصفية خصومها من دون ضمانات قانونية، وفي هذه الحالة لن يكون في وسع المحكمة الدستورية العليا إبطال أي قرار يصدر من رئيس الدولة أو الحكومة أو الولاة.

ووفق قانون الطوارئ، سيكون أشد المسائل حساسية إسناد السلطات في الولايات إلى المحافظين الذين يتبعون إلى جهاز وزارة الداخلية، وسيتم وقف كل صلاحيات قادة الجيش التركي، الذين سيأتمرون لسلطات الولاة المرتبطين مباشرة برئيس الدولة.

"
منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان تتخوف من حالة الطوارئ

"
عملياً، يجري العمل بحالة الطوارئ منذ صباح السبت الماضي، حين تم الإعلان عن فشل الانقلاب، وما يحصل اليوم هو قوننة هذه الحالة، إذ إن هناك عدة آلاف من العسكريين والقضاة الذين اعتقلوا أو أوقفوا عن العمل، ولن يكون في وسع المحاكم العادية محاكمتهم، ولا بد من قوانين استثنائية بموجب نصوص دستورية صريحة تبيح الطوارئ. وتعتبر العمليات الجارية حتى الآن، في نظر الأوساط الخارجية، غير قانونية لأن الأعداد الكبيرة من الموقوفين لم تتمتع بضمانات قانونية دستورية، ومورست خلال الأيام الماضية ضغوطات غربية، وحصلت مساومات من أجل ثني السلطات التركية عن السير في هذا الطريق، الذي يرى فيه الغرب مرحلة من التشدد وتعزيز قبضة حزب العدالة والتنمية على السلطة.

في هذا الإطار، قال دبلوماسي غربي لـ"العربي الجديد" إن أنقرة لا تبدو في وارد الرضوخ للضغوط، وتتصرف من منطلق استعادة زمام المبادرة لتصفية الخصوم الذين كانوا على مسافة قصيرة من الإمساك بالسلطة وإقصاء "العدالة والتنمية" من الحكم بقوة السلاح. ويعتبر المصدر أن معالجة السلطة لذيول الانقلاب لن تكون سهلة، نتيجة التداخل الكبير في المجتمع التركي، إذ يصعب إحداث عملية فرز بين أنصار "العدالة والتنمية" وبقية الأطراف. ولاحظ المصدر أن "العدالة والتنمية" استنفر قواه كاملة من أجل استعادة الشارع، مشيراً إلى المهرجانات الحاصلة والتصريحات التي تصدر عن بعض كبار مسؤولي الحزب الحاكم.

 

 بشير البكر: العربي الجديد