تمهيد: بعيداً عن تعقيدات الوضع الإقليمي المحيط بتركيا، من الأزمة السورية، إلى المطامح الكردية بإنشاء دولة مستقلة في حدود جغرافية معقدة، إلى الاندفاعة الإيرانية في المنطقة العربية، فإنّ إشكالية الوضع الداخلي تبقى هي الأزمة المحورية التي ستعاني منها تركيا في المرحلة القادمة بعد فشل الانقلاب العسكري، وظهرت بوادر القلق على الوضع الديمقراطي والحريات العامة فور إعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد.
أولاً: التردُّد والقلق الأوروبيين..
تردّدت أوروبا ،ومعها الولايات المتحدة الأميركية في إدانة المحاولة الانقلابية في مهدها، وانتظرت حتى صباح السبت ،عندما اتضح فشل المحاولة لإدانتها وتأييد الحكومة المنتخبة، وسيبقى هذا الموقف نقطة سلبية في سجل العلاقات التركية الأوروبية في المستقبل القريب، لذا فإنّ القلق الأوروبي الذي ظهر بعدما أُعلنت حالة الطوارئ، كان خجولا ومُلطّفاً ، خاصة أنّ دولا أوروبية، كفرنسا مثلا، اضطرت لإعلان حالة الطوارئ التي تحجر الحريات وتعلّق الإجراءات القضائية المعمول بها في الحالات العادية، لذا فإنّ الانتقادات التي يمكن أن تظهر في الأيام القادمة ضد حكومة اردوغان، ستكون أيضا مقيّدة بما تعانيه أوروبا هذه الأيام من محنة الإرهاب، وقد تسمح لأردوغان بهامشٍ كاف من الحرية لقمع خصومه، وتنظيف المؤسسات الأمنية والإدارة والقضاء من كل من اتُّهم بمؤازرة الانقلابيين، وتعيين مقرّبين لحزب العدالة والتنمية في الإدارة والقضاء والمؤسسات العسكرية.
ثانياً: الوضع الداخلي..الدولة العلمانية على المحكّ.
تصاعدت عمليات الاعتقال والتطهير، ففي الساعات الأولى التي تلت فشل الانقلاب وصل عدد المعتقلين إلى ستة آلاف معتقل، وآخر حصيلة بلغت عشرة آلاف ، بينهم أكثر من مئة جنرال، وحوالي ثلاثة آلاف رجل قضاء، وهذه أرقام عالية، وربما تتضاعف بعد إعلان حالة الطوارئ، كما أنّ مشاكل التضييق على الحريات العامة ستفاقم الأزمة،، وسيبقى هاجس المشكله الإقليمية ،بوجهيها السوري والكردي حاضراً، وستكون الجماهير التركية أمام امتحانٍ صعب في الأيام القادمة لحماية التجربة الديمقراطية والقضاء نهائياً على مغامرات العسكر وبطشهم واستبدادهم الذي عانينا منه الأمرّين، وما زلنا، في العالم العربي والإسلامي، من تونس إلى ليبيا والسودان ومصر والعراق وسوريا، لذا فإنّ الدعم اللازم لتماسك وصمود النظام التركي يصبح واجباً ملحّاً ،داخليا وإقليمياً ودولياً، فدولة أتاتورك العلمانية في عين العاصفة، وحلمه بدولة علمانية، في بؤرة الشرق الاستبدادي، ما زال قائماً وراهناً وواجباً.