ما الذي يحول دون الشفافية في ملف النفط والغاز، وكأنهما ملكية شخصية لبعض السياسيين؟ ولماذا لم يتبرّع أحد بشرح مغزى "الانفراج" في هذا الملف بعد اجتماع الرئيس نبيه برّي مع الوزير جبران باسيل؟ وإذ قيل إن زيارة مساعد وزير اميركي أدّت الى تحريك الموضوع فإن أحداً لم يوضح لماذا كان الجمود، ولا يزال. وحين يقال الآن إن غيوماً تلبّد أجواء العلاقة بين رئيسي المجلس والحكومة، بسبب الملف النفطي، فكل ما أمكن فهمه أن رئيس الحكومة لا يعتبر الاتفاق الثنائي ("أمل" - "التيار العوني") أساساً وحيداً وكافياً لمراسيم يصدرها مجلس الوزراء لإطلاق ورشة التلزيم والتنقيب، وكأن صاحبَي ذلك الاتفاق يختصران الجميع، عدا أنهما لم يفصحا عن مضمون اتفاقهما ولا أفصحا سابقاً عمّا كانا مختلفَين...

 

نعم، كلّنا يعرف كيف يعمل الوسط السياسي حالياً وكيف بات - مع بعض الاستثناءات - متكيّفاً بل "مرتاحاً" إلى عدم وجود دولة وإلى أنه "هو الدولة والدولة هو". ومع ذلك فإن الأمر يتعلّق بـ "ثروة وطنية"، أليس كذلك؟ وتقتضي البداهة القول بأنها ملكٌ للجميع وليست ملكاً لأحد، أي أنها ملكٌ للدولة - عدنا للدولة! - ولا بدّ أن يستفيد الجميع منها. هذه هي الفرصة الأولى للبنان منذ وُجد على هذا الشاطئ، وهي المرّة الأولى التي تكون فيها للدولة ثروة طبيعية يمكن استثمارها لمصلحة الخلاص من عبء الديون ولإنعاش الاقتصاد وتنمية مختلف المناطق والقطاعات. لكن المقاربة التي نشهدها لملف النفط والغاز تريد اعادة البلد الى عقلية الاقطاعيات وعهدها، أو بتوصيف آخر الى "تطييف" البحر وتوزيع "البلوكات" على الطوائف، كل واحدة هي وحظّها، فـ"البلوكات" قد لا تكون متساوية في الانتاجية.
من يتولّى شأن النفط والغاز في مصر وقبرص واسرائيل؟ الدولة. ومن يتولّاه في لبنان؟ جبران باسيل، الذي أُضيف "أبو النفط" الى ألقابه وكأنه هو مَن اكتشفه. هل هذا عنصر ثقة؟ طبعاً لا. فهو استحوذ على الملف ليسيّسه ويبزنسه، وأيضاً ليوظّفه في الحملة الرئاسية للجنرال ميشال عون. وهكذا أدخل الملف الى دهاليز الانقسام السياسي وتعقيداته. والنتيجة المؤكّدة أنه نزع عنه أي صفة "وطنية". لذلك فإن أي تأخّر أو تقدّم في الورشة النفطية أصبح رهن الأجندة العونية. أي: عون رئيساً أو لا نفط!... لم يُعلن عن اجتماع بري - باسيل سوى أنهما "اتفقا". علامَ، وبأي صفة (حزبية، طائفية، مناطقية...)، وما هي العقدة التي كانت تعرقل المراسيم التطبيقية وتوصّلا الى حلّها. قيل إنهما اتفقا على تلزيم بلوكات الجنوب والشمال معاً، فهل يعني ذلك أن لديهما ملتزمين جاهزين؟ وحده سامي الجميل كان صريحاً في اشارته الى أن الثروة الوطنية تُخضع لـ "صفقات سياسية ثنائية أو متعدّدة الأطراف". والواقع أن هناك صامتين كثراً حيال ذلك الاتفاق.