يوم الخميس الماضي في 14 تموز وعلى هامش الاحتفال الذي اقامته السفارة الفرنسية باليوم الوطني الفرنسي جزم سفراء اجانب من الحضور لمحدثيهم بأن اي افق لا يبدو ظاهرا او محتملا لخروج لبنان من مأزقه الحالي المتمثل في شكل اساسي بتعذر حصول انتخابات رئاسية او بتجاوز عملية تعطيلها. وهذا الاستخلاص يكتسب اهميته كونه اتى بعد يومين فقط من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية جان - مارك ايرولت لبيروت من ضمن الجهود الفرنسية لايجاد ثغرة يمكن النفاد منها لانتخاب رئيس للجمهورية ولقائه المسؤولين الكبار الى جانب ممثلين عن كل الاحزاب والتيارات بمن فيهم ممثلين عن "حزب الله"، الامر الذي يعني ان هذا الجهد الفرنسي لم يحصد النتيجة المتوخاة. ولا يخفي هؤلاء السفراء اقتناعهم بأن التفاؤل الذي يسعى البعض الى تعميمه عن قرب حصول اختراق في الازمة الرئاسية في خلال آب او بين شهري آب وايلول قد يكون مبالغا فيه ان لم يكن من ضمن اطار دعائي يهدف الى الــتأثير والضغط النفسي ليس الا من ضمن اطار اللعبة السياسية الداخلية. اذ يجزم السفراء المعنيون بأن لا مستند قويا للاعتقاد او الاقتناع بأن الازمة على وشك ان تشهد حلحلة في ظل استمرار المواقف الداخلية على حالها من دون احداث اي تبديل وفق ما تبلغ وزير الخارجية الفرنسي ووصلت اصداؤه الى البعثات الاجنبية العاملة في لبنان في اطار استطلاعها نتائج زيارة رئيس الديبلوماسية الفرنسية كما معرفتها المسبقة بمواقف الافرقاء الداخليين والجهود الخارجية، كما ان الصراع الاقليمي محتدم على نحو كبير بحيث لن يكون مقنعا بأن لبنان يمكن ان يشهد انفراجا على نحو مغاير لهذا المشهد الاقليمي وذلك من دون الدخول في التفاصيل الملازمة لذلك.

ومنذ الخميس الماضي الذي شهد ليلا عملية ارهابية في مدينة نيس ثم محاولة الانقلاب العسكري في تركيا في اليوم التالي ثمة تطورات بالنسبة الى مصادر سياسية لن تسمح بالتفاؤل بأي متغيرات اقله في المدى المنظور وفق الآمال التي يعقدها البعض. فاذا جرى وضع الانشغال الفرنسي المتمادي والقسري بما يلح على المخاطر التي تتعرض لها فرنسا جانبا، فان الانقلاب العسكري التركي قد يكون عاملا قويا في تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وذلك قياسا الى التطورات الداخلية في تركيا بعد افشال الانقلاب من جهة وقياسا على طبيعة السياسة الخارجية التي يمكن ان يعتمدها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من جهة اخرى. وذلك بمعنى عدم امكان الحصول على اجوبة واضحة فيما عملية افشال الانقلاب وذيوله لا تزال مستمرة وقائمة فيما يتوقع ان تستمر اسابيع او اشهرا عدة ارتباطا بعمق الازمة الداخلية التركية. وليس غريبا او مبالغا فيه الاعتقاد بالنسبة الى هذه المصادر ان تحصل رهانات قوية في المنطقة في موازاة التطورات التركية التي تعتبر بالغة الاهمية نسبة الى موقع تركيا في الاساس جغرافيا وسياسيا ونسبة الى دورها كلاعب لا يمكن تجاوزه في المنطقة وله حصته وتأثيره. فهذه التطورات التركية تضيف تعقيدات اضافية على المشهد الاقليمي بحيث سيكون متعذرا توقع عدم تموضع سائر الافرقاء الاقليميين على وقع حسابات الربح والخسارة في تركيا وفي اي اتجاه ستذهب الامور انطلاقا من ان استتباب الوضع لاردوغان لا يعني انه لن يتعين عليه اعادة النظر على نحو شامل في كل الخيارات السياسية التي اعتمدها وما اذا كان ممكنا ان يكمل فيها او يذهب الى خيارات بديلة لانه وبغض النظر عن اتهام فتح الله غولن بالوقوف وراء الانقلاب او وضع طموح قادة عسكريين في الواجهة، فان الازمة الداخلية التركية يفترض ان تفتح الابواب الواسعة امام مراجعة سياسية ليست اتجاهاتها واضحة من الان.
وقياسا على التطور التركي، وفي حال التسليم جدلا بأن للداخل اللبناني قدرة على ابتكار الحلول للازمة السياسية، وهو ليس كذلك من دون توافر بعد خارجي مكمل للجهد الداخلي، فان ثمة رهانات قوية على خلفية الخيارات التي ستعتمدها تركيا في المرحلة المقبلة وما الذي يمكن ان تلجأ اليه لإشاحة الانظار عن ازمة الداخل او للالتفاف عليها. ومن هذا الاعتبار يصعب توقع الا يكون قد تعقد المشهد اللبناني اكثر مما هو معقد اصلا على رغم ان الالتفاف الذي اظهرته ايران حول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والحرص على رفض الانقلاب يفترض ان يضع الافرقاء السياسيين الخصوم في لبنان في موقع واحد اقله في النظرة الى ما حصل ويحصل في تركيا، لكن رهانات ومصالح كل منهما مختلفة حكما بالنظر الى النتائج المتوخاة من تداعيات المحاولة الانقلابية في تركيا. فالحسابات اللبنانية على اختلاف اتجاهات افرقائها تجد نفسها في المرحلة الطالعة المحفوفة بغموض اقليمي ودولي متعاظم امام مأزق لعله الاكبر والاشد تعقيدا من سائر الحقبات السابقة.

 

روزانا بو منصف