الموضوع المركزي في زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري ليس فقط كسر "تقليد" نشأ في السنوات التسعة الماضية حيث لم يزر خلالها أي وزير خارجية لمصر اسرائيل، بل بكون وزير الخارجية وليس وزير الاستخبارات هو الذي أرسل من قبل عبد الفتاح السيسي. في سنوات ولايته الاخيرة اعتاد ​حسني​ مبارك ارسال وزير الاستخبارات عمر سليمان أو مساعديه لمناقشة التعاون العسكري والاستخباري وتنسيق المواقف فيما يتعلق بعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، أو من اجل التشاور حول طريقة ادارة السياسة تجاه حماس.

قرار ارسال وزير الخارجية يشير الى مستوى جديد من العلاقات التي هي أقرب للتطبيع السياسي والتي لا تكتفي بالتعاون الاستخباري فقط. الوزير شكري هو دبلوماسي قديم ومجرب وكان سفير مصر في الولايات المتحدة بين سنوات 2008 – 2012، صحيح أنه ركز حديثه في المؤتمر الصحفي على عملية السلام مع الفلسطينيين وكرر الموقف القائل "حل الدولتين قابل للتحقق"، لكن في هذا السياق، ما لم يُقل هو الذي يجب أن يثير الاهتمام. شكري لم يقدم مبادرة للسلام مصاغة ومرتبة ولم يحدد معايير لاستئناف المفاوضات أو جدول زمني. وفي اقواله لم يقدم مصر كوسيطة رسمية. واكتفى بذكر لقاءاته في 29 حزيران مع القيادة الفلسطينية ونية مصر في استكمال النقاشات في رام الله والحوار مع الطرف الاسرائيلي. ولكن خلافا للكليشيه المعروف الذي يقول "أهمية الزيارة تكمن في مجرد حدوثها"، ​فالسيسي ​ قد قرر فتح قناة سياسية علنية مع اسرائيل حيث أنه ​سيدعو ​ رئيس الحكومة لزيارة القاهرة. لأنه توجد لمصر واسرائيل مصالح مشتركة، جزء منها فقط في مجال الامن.

التعاون الامني والاستخباري ليس أمرا جديدا ولم يتطلب في الماضي نقاش بمستوى وزير الخارجية. وقد وافقت اسرائيل على أن تتجاوز مصر اتفاقات كامب ديفيد وتُدخل الى سيناء قوات برية وجوية محظور دخولها حسب الاتفاق، وأعطت الموافقة المسبقة ايضا في شهر نيسان على نقل السيادة على جزر سنفير وتيران للسعودية مع تعهد سعودي بالالتزام بالاتفاقات التي لم توقع عليها هي.

كل ذلك تحقق عن طريق مبعوثين ومحادثات سرية بين الاطراف بدون احتفالات وتغطية اعلامية. ولكن توجد لمصر مواضيع حيوية اخرى تلزمها بـ "الظهور علنا" مع اسرائيل، أحدها هو "سد الانبعاث" الذي تنشئه اثيوبيا على النيل والذي يقلق مصر بشكل كبير. مع استكمال الجزء الاول منه في العام القادم قد تخسر مصر حسب التقديرات بين 11 – 19 مليار كوب من المياه كل سنة، هذه الخسارة ستؤدي الى تراجع انتاج الكهرباء بـ 25 – 40 في المئة. ويعتبر هذا السد تهديدا كبيرا الى درجة أن الرئيس المقال محمد مرسي ​- ​ من الاخوان المسلمين ​- ​ هدد بهدمه.

تعتقد مصر بأن لاسرائيل تأثير كبير على اثيوبيا. واذا لم يكن في استطاعتها منع اقامة السد فيمكنها على الاقل التأثير على اثيوبيا من اجل التنسيق مع مصر حول تقسيم المياه بشكل لا يضر باقتصادها. يمكن ايضا أن يكون هذا هو سبب توقيت زيارة شكري، فورا بعد عودة نتنياهو من افريقيا، لسماع ما استطاع نتنياهو تحقيقه مع الاثيوبيين.

يبدو أن نتنياهو قد أحضر بشرى جيدة لمصر، وإلا لما كان شكري يكلف نفسه. المعلومات حول الزيارة في دول افريقيا حيوية بالنسبة لمصر من اجل الاستعداد لمؤتمر وزراء الخارجية لدول حوض النيل الذي سيعقد في يوم الخميس في اوغندة. مصر بحاجة ايضا الى دعم اسرائيل في موضوع نية الولايات المتحدة اخراج قوات الرقابة الدولية للامم المتحدة من سيناء، حيث أن مصر تعتبر هذه الخطوة بمثابة خضوع للارهاب.

يوجد لمصر ايضا اهتمام بالعلاقة المتجددة بين تركيا واسرائيل، وبالتحديد البند الذي يسمح لتركيا بأن تكون الممول الرئيس للمواد الاستهلاكية ومواد البناء للقيادة في غزة. دخول تركيا يضع مصر في وضع غير مريح في افضل الحالات حيث أنها، مع اسرائيل، تستمر في فرض الحصار الرسمي على قطاع غزة في الوقت الذي تتحول فيه تركيا الى حليفة لحماس، وهذه المرة مع "ترخيص" اسرائيلي.

من اجل تغيير هذه المعادلة فان مصر بحاجة الى تنسيق المواقف مع اسرائيل والسعي الى تحقيق اتفاق المصالحة بين حماس وفتح بأسرع وقت كي تستطيع فتح معبر رفح. هذه مواضيع ثقيلة لا يمكن لزيارة وزير الخارجية المصري الخاطفة أن تحلها. لكن مجرد تشعب خارطة المصالح السياسية بين اسرائيل ومصر هو تطور هام.

(هآرتس)