أزمة جديدة تنفجر بين الرئيس بري وبين تيار المستقبل , والتقرير المالي غير واضح

 

السفير :

من تحت أنقاض الدولة، خرج مجلس الوزراء، أمس، ليؤكد المؤكد: كل المؤسسات الدستورية في حالة موت سريري.
تلك الحقيقة كانت محور جلسة الثلاث الساعات التي خصصت للاستماع إلى تقرير وزير المال علي حسن خليل عن الوضع المالي للبلاد، والذي أكد بالأرقام أن الاهتراء عصي على الحل في زمن الشغور الشامل. رددها خليل «لا وجود لدولة حقيقية»، فمجلس النواب لا يعمل والحكومة بالكاد تصرّف الأعمال، والوزراء لم يشعر أي منهم أن سيف المساءلة النيابية مصلت فوق رأسه.
وغياب الدولة، مضافاً إلى الأزمات الكبرى التي تواجه المنطقة، جعل من الجلسة الحكومية، على أهمية ما تم كشفه من أرقام خلالها، مجرد صرخة لن يخرج صداها أبعد من جدران السرايا الحكومية.
والجلسة، التي لم يتسع وقتها للنقاش بالأرقام التي طرحها وزير المال وستستكمل يوم الاثنين المقبل، أعادت التذكير بملفات، ربما أراد البعض أن ينساها أو يتناساها. مرّر خليل ملحقاً للتقرير الذي أعده عن المالية العامة يوضح فيه مسار الحسابات العالقة منذ العام 1993 وحتى العام 2010. وأعلن إنجاز ستة حسابات، واعداً بإنجاز الأربعة الباقية بأسرع وقت ممكن «حتى نواكب أي حاجة لاقرار اجراءات بالمرحلة المقبلة تتعلق بالمحاسبة والمساءلة».
ولأن الرئيس فؤاد السنيورة كان المسؤول مباشرة عن وزارة المال في تلك الحقبة، فقد كان ذلك كافياً لتستنفر «كتلة المستقبل»، أمس، وتخصص معظم بيانها للرد على خليل، متهمة وزارة المال بالتقاعس عن تدبير وتأمين ما أمكن من المصادر المالية الصحيحة والمجدية لتعزيز واردات الخزينة. كما ركّزت على «المظاهر التي لم تعد تخفى على أحد حول الانفلات المالي في إدارة المال العام وتفشي الفساد والرشوة والهدر المالي المتفلت من أية ضوابط حقيقية».

أما خليل فلم يتأخر بدوره في الرد، مستغرباً خروج السنيورة عن طوره بعد إعداد دراسة مالية علمية، متحدياً إياه اللقاء أمام الأجهزة القضائية والرأي العام، لنلاحقه بتهمة الفساد والرشوة والهدر المالي.
مشادة بين المشنوق والسنيورة
لكن خليل لم يكن وحده من رد على السنيورة. سبقه الوزير نهاد المشنوق إلى ذلك، ومن داخل قاعة الاجتماعات «المستقبلية». إذ عُلم أن وزير الداخلية، الذي حضر جزءاً من اجتماع الكتلة، دخل في نقاش وصل إلى حد المشادة مع السنيورة في موضوع السياسات المالية للحكومة، مشيراً إلى أنه «ليست هذه هي الحكومة التي يطلب منها سياسة مالية طويلة الأمد في الوقت الذي تتصرف على أساس أنها حكومة انتقالية محدودة الوقت والفعل، وتغلب على نقاشاتها الخلافات السياسية فضلاً عن تحديات وجودية تواجهها. وأشار المشنوق، بالتالي، إلى أن خليل يتصرف باعتبار الحكومة حكومة انتقالية في ظل غياب الموازنة لأسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالشأن المالي.
هذا الاشتباك السياسي الأول من نوعه منذ وقت طويل بين «أمل» و «المستقبل»، لم يحجب الأرقام التي عرضها خليل في جلسة مجلس الوزراء، والتي بالكاد تمكن الوزراء من التقاطها، وإن خرجوا متفائلين بأن الوضع مقلق لكن ليس كارثياً.
خليل: شرطان لعودة الدولة
مالياً، لا صوت يعلو فوق صوت إقرار الموازنة. فهو السبيل الوحيد لضبط الإنفاق وعودة الدولة إلى سكة القانون التي صار الجميع يتنافس للبقاء خارجها، تماماً كما اعتاد الوزراء التحرر من الالتزام بموازنات وزاراتهم، والحصول على الاعتمادات من الاحتياطي واعتماد العشوائية في المطالب.
ولذلك، أعاد علي حسن خليل الطلب من الحكومة ما كان طلبه في كتاب رسمي قبل سنة. المطلوب من الحكومة، بعد استلامها موازنة العام 2017 في نهاية آب المقبل، مناقشتها وإقرارها في الموعد الدستوري (قبل 15 تشرين الأول المقبل). وإذا لم يقرها مجلس النواب، قبل نهاية السنة، فلتعمد إلى إصدارها بمرسوم. وهذا اقتراح من الواضح أن الرئيس نبيه بري ما زال يغطيه، برغم ما يعنيه من إعطاء الحكومة صلاحية تشريعية أساسية.
مع ذلك، فإن ما حصل في العام الماضي والأعوام التي سبقته، ما يزال يسري مفعوله في الوقت الراهن، ولعل أكثر المتفائلين لن يصدق أن أوان الموازنة قد آن أو أن «الدولة الحقيقية» ستعود. لكن ذلك لم يمنع وزير المال من الإصرار على إشراك الحكومة مجتمعة في تحمّل المسؤولية، عارضاً تقريراً للوضع لم يشأ توزيعه على الوزراء، أرفقه بعدد من الاقتراحات لتحسين الإيرادات وضبط النفقات، مع يقينه أن كل الأفكار التي طرحت أمس أو تلك التي ستطرح الاثنين المقبل، ستبقى حبراً على ورق ما لم يتحقق شرطان: الأول، انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تفعيل عمل المؤسسات، وثانيا، إقرار الموازنة.
بداية لا بد من التذكير أن سقف الإنفاق المقونن يقدر بنحو 18 ألف مليار ليرة (موازنة العام 2005 بعد حسم المبالغ التي كانت مرصودة لقوانين البرامج مضافاً إليها قوانين الاعتمادات الإضافية التي أقرها مجلس النواب على التوالي). كما أن الوزارة تتوقع أن تصل نفقات 2016 إلى 20393 مليار ليرة، فيما يُتوقع لإيرادات العام نفسه أن تصل إلى 15100 مليار بعدما كانت 14435 ملياراً في العام 2015.
مؤشرات مالية مطمئنة
أما في المؤشرات التي أعلنها خليل، فتأكيد على أن التدابير التي اتخذتها الوزارة، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط وتحويلات وزارة الاتصالات أدت إلى خفض العجز الكلي، وتحقيق فائض أولي (من دون احتساب كلفة الدين) بقيمة 1090 ملياراً في العام 2015.
وإذا كان هذا الرقم قد طمأن الوزراء نسبياً، فإنه لا يلغي حقيقة أن العجز الكلي وصل في العام 2015 إلى 5958 ملياراً، وهذا الرقم يعتبر نسبياً مقبولاً إذ أنه لم يزد سوى 0.7 في المئة عن عجز العام 2012. وقد ساهم ضبط الإنفاق العام في ذلك، إضافة إلى تحويلات الاتصالات وتخفيض فاتورة الكهرباء.
أما الإيرادات، قياساً على الناتج المحلي، فانخفضت ما بين العامين 2010 و2015، من 21.8 في المئة إلى 19 في المئة. فيما زادت النفقات قياساَ إلى الناتج المحلي من 29.4 في المئة في العام 2010 إلى 26.6 في العام 2015. وهي مقسمة على الشكل التالي: 7080 مليارا مخصصات رواتب وأجور وملحقاته (35 في المئة)، 6842 ملياراً لخدمة الدين العام (34 في المئة)، 900 مليار نفقات استثمارية (4 في المئة)، 2322 ملياراً تحويلات لكهرباء لبنان (8 في المئة) و19 في المئة نفقات متفرقة.
ومن الملاحظات التي قدمت أن كهرباء لبنان كلفت الدولة اللبنانية ما بين العامين 2010 و2015 نحو 10 مليارات دولار، فيما توقف عدد من الوزراء عند ما ورد في التقرير بأن الإدارة اللبنانية لا تستحوذ على أكثر من 10 في المئة من بند الرواتب، وتذهب الـ90 في المئة الأخرى إلى قطاعي التربية والعسكر، بما يناقض كل المساعي التي تبذل لمنع التوظيف أحياناً وتخصيصها أحياناً بحجة تخفيض النفقات العامة.
وإذا كان الدين العام هو أهم العناصر التي ترهق الخزينة اللبنانية، فقد شرح خليل لزملائه كيفية تطوره، معلناً أنه وصل حالياً إلى 66 مليار دولار، 61 في المئة منها بالعملة اللبنانية.
اقتراح بتفعيل هبات النازحين
انتهى السرد وجاء وقت الخطوات العملية المقترحة من قبل وزارة المال. فإضافة إلى العنوانين الأساسيين أي الاستقرار الدستوري ـ السياسي وإقرار الموازنة، اقترح وزير المال تفعيل الهبات في موضوع النازحين السوريين بدل القروض. وأشار إلى أن كلفة أزمة النزوح بلغت 15 مليار دولار، موضحاً أن الكلفة السنوية تصل إلى 30 في المئة من الناتج المحلي. وأشار إلى أن لبنان طالب في العام 2015 المجتمع الدولي ب2140 مليون دولار، لكنه لم يحصل سوى على 1100 مليون دولار، ما يؤثر سلباً على مجمل الاقتصاد.
كما طالب بإقرار المراسيم والقوانين العالقة، ولاسيما منها 17 قانوناً في مجلس النواب، تتعلق بالشفافية في الصفقات العمومية والنفط والغاز والاثراء غير المشروع ونظام ديوان المحاسبة والشراكة بين القطاعين الخاص والعام والعلاقة مع المؤسسات الدولية.

النهار :

تصدى المندوب اللبناني الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام لإسرائيل أمس في مجلس الأمن (نيويورك - علي بردى) مفنداً الهجوم الديبلوماسي الواسع الذي شنه مندوبها لدى المنظمة الدولية السفير داني دانون على لبنان في الذكرى السنوية العاشرة لحرب تموز 2006.
وجاء الرد بعدما قدم دانون خلال الجلسة الشهرية عن "الحال في الشرق الأوسط" ما وصفه بأنه "معلومات استخبارية جديدة" تتضمن صوراً جوية لبلدة شقرا التي "تحولت معقلاً لحزب الله"، مدعياً أن "واحداً من كل ثلاثة مبان يستخدم لنشاطات إرهابية". كما ادعى أن "حزب الله" وضع "منصات بجانب المدارس والمنشآت العامة الأخرى". وطالب بـ"إزالة إرهابيي حزب الله من جنوب لبنان". وأكد أن "حزب الله لديه الآن من الصواريخ تحت الأرض في لبنان أكثر مما لدى الحلفاء الأوروبيين لحلف شمال الأطلسي فوق الأرض"، مضيفاً أن "حزب الله لديه أكثر من 120 ألف صاروخ موجهة نحو المراكز السكانية الإسرائيلية".
وسخر سلام من هذه الادعاءات، مذكراً بأن اسرائيل شنت قبل عشر سنين حرباً لجأت فيها الى "استعمال أخطر ما عرفه الدهر من الأسلحة الفتاكة وأبشعها: الذخائر العنقودية"، وانها ارتكبت مذذاك "ما لا يقل عن 11856 انتهاكاً للسيادة اللبنانية"، فضلاً عن استمرار احتلال الجزء الشمالي من الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وذكّر بأن اسرائيل قصفت في تموز 2006 محطة الجية "متسببة بتسرب بقعة نفطية لا سابق لها على الشواطىء اللبنانية، نجمت عنها آثار بيئية بالغة ولا سيما على الثروة السمكية والتنوع البيولوجي"، موضحاً أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة تصدر منذ عشر سنين قرارات تطالب اسرائيل بدفع تعويضات الى لبنان تصل قيمتها الى 856 مليون دولار بسبب هذه البقعة.

 

ايرولت
وفي الذكرى العاشرة للحرب، كان وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت يزور مسرح العمليات الحربية الاساسي في الجنوب متفقداً قوات بلاده المشاركة في القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان "اليونيفيل"، قبل ان يعقد مروحة واسعة من اللقاءات السياسية شملت معظم مكونات المجتمع من رجال سياسة ودين. وقالت مصادر وزارية ونيابية متطابقة لـ"النهار" ان الوزير الفرنسي لم يحمل اي مبادرة كما كان متوقعاً، و"انه لا يخفي أي حركة اتصالات أو أفكار يحاول ان يتحسس ردات الفعل عليها أو تهيئة الأرضية لها". وأبلغ الضيف أكثر من التقاهم ضرورة السعي الى انتخاب الرئيس. ولخص موقفه بالجملة الآتية: "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم" داعياً الى لبننة الاستحقاق. وأكد مرجع لـ"النهار" ان الفرنسيين "لا يملكون مشروعاً في هذا الخصوص على رغم اتصالاتهم الاخيرة بالسعودية وايران".
واسترعى الانتباه اللقاء الذي جمع ايرولت ووفد "حزب الله" الذي ضم النائب علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي. وأورد موقع "العهد" الالكتروني التابع للحزب أن "وفد حزب الله جدد من جهته خلال اللقاء التأكيد أمام الوزير الفرنسي أن الحزب يدعم وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون الى الرئاسة، وأنه المرشح الذي يمكن أن يحقق انتخابه فائدة للبنان ويشكل خطوة على طريق تحقيق الاستقرار في البلد".
وعلمت "النهار" من مصادر المجتمعين ان اللقاء استمر ساعة وعشر دقائق وتخلله عرض وجهة نظر الحزب في الاستحقاق الرئاسي وشرح أسباب تمسّكه بترشيح العماد ميشال عون. وأفاد الوزير الفرنسي أن "تواصل باريس مع طهران يهدف الى خلق أجواء تسهل انجاز الانتخابات الرئاسية، وحضّ اللبنانيين على أخذ المبادرة ولبننة الاستحقاق الرئاسي".
أما الموضوع الثاني الذي احتل حيزاً واسعاً من النقاش، فكان ازمة النزوح وعدم قدرة لبنان على تحمل اعبائها. واكد وفد الحزب ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الازمة وايجاد حل بالتحاور مع دمشق ولم يتطرق اللقاء الى مشاركة الحزب في القتال في سوريا وانما جدّد الوفد تعازيه لباريس بضحايا هجمات 13 تشرين الثاني الماضي ورد الوزير بأنها جاءت بعد ساعات من هجمات ارهابية شهدها لبنان (برج البراجنة).
كما علمت "النهار" ان ايرولت أبلغ عدداً ممن التقاهم انه لم يتلق شيئاً من إيران يتعلق بمهمته في شأن تسهيل إجراء إنتخابات رئاسية في لبنان. وأوضح أن فرنسا ماضية في تصنيع السلاح الذي كان مطلوباً في إطار الهبة السعودية السابقة للجيش اللبناني على أمل ان تعود السعودية وتقرر شراءه لحساب لبنان. ولفت الى انه بعد مرور 10 سنين على صدور القرار الرقم 1701 من المفيد إعادة قراءته وإضفاء بعض الرتوش عليه.

مجلس الوزراء
داخلياً، تعقد اليوم جلستان، الاولى للجان النيابية المشتركة تتابع درس مشاريع قوانين الانتخاب في انتظار ما يؤول اليه اتفاق المشاركين في طاولة الحوار المقررة في 2 آب المقبل، والثانية لانتخاب مفترض لرئيس جديد للجمهورية رقمها 42 ولن تختلف عن سابقاتها، بل مزيداً من تراجع عدد النواب الحاضرين. ولم تكن جلسة مجلس الوزراء التي خصصت لدرس الوضع المالي أكثر انتاجاً، بل حدد المجلس جلسة متممة من الاثنين المقبل. وقد وصفت جلسة أمس بـ"جلسة النعي المالي" كما شخّصها التقرير الطبي لوزير الصحة وائل بو فاعور، وقدم الوصفة العلاجية لها الدكتور حسين الحاج حسن بانشاء "الصندوق السيادي للثروة النفطية التي يجب عدم ربطها بواقع مؤسساتنا". وطوال أربع ساعات شرح وزير المال الوضع المعقّد لمالية الدولة واقتصرت المداخلات على استفسارات من الوزراء لما يعرض هنا أو هناك في التقرير من وقائع وأرقام.
وأثارت الجلسة جدلاً بين "كتلة المستقبل" ووزير المال. فقد أشارت الكتلة الى" الشكوى والمظاهر التي لم تعد تخفى على أحد حول الانفلات المالي في إدارة المال العام وتفشي الفساد والرشوة والهدر المالي المتفلت من أية ضوابط حقيقية". واعتبرت "ان الباب الصحيح الذي يجب على الوزارة ولوجه لمعالجة هذا الوضع الذي وصلت إليه البلاد هو العودة إلى اعتماد سياسة الانضباط المالي".
وسرعان ما رد وزير المال على رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة شخصياً. ومما جاء في رده: " لم نعرف أن إعداد دراسة مالية علمية تعرض الوقائع والمؤشرات وإقتراحات الحلول، على عكس ما كان سائداً، ستخرج وزير المال السابق فؤاد السنيورة عن طوره، ليسخّر إجتماع كتلة المستقبل النيابية لشن حملة من المغالطات والإتهامات التي يعرف كل اللبنانيين أنها تنطبق على عهده وإدارته في التصرّف غير القانوني والملتبس بالمال العام والذي فتح الكثير من النقاش الذي لم يُقفل بعد". وأضاف: "الأجدر برئيس كتلة المستقبل أن يواجهنا، ونحن نتحداه أن نلتقي أمام الأجهزة القضائية والرأي ولعام، لنلاحقه بتهمة الفساد والرشوة والهدر المالي".

 

المستقبل :

مع وداع وزير الخارجية الفرنسية جان مارك أيرولت اللبنانيين بالتشديد على ضرورة أن «يتحمل كل طرف منهم مسؤولياته» والإسراع عبر الحوار في إيجاد حل وطني للأزمة، فإنّ أيرولوت بحسب معلومات «المستقبل» أبلغ مَن التقاهم من المسؤولين أمس أنه بالاستناد إلى نتائج جولته الاستطلاعية لبيروت سوف تستكمل بلاده مشاوراتها بشأن الملف اللبناني خلال لقاءاته المرتقبة قريباً مع كل من وزيري الخارجية السعودية عادل الجبير والإيراني محمد جواد ظريف بالإضافة إلى رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، مؤكداً عزمه على إثارة الأزمة اللبنانية معهم من زاوية البحث عن كافة السبل المتاحة للمساعدة إقليمياً ودولياً في حلّها. وبينما كان الضيف الفرنسي يعاين ميدانياً تداعيات التعطيل الممنهج الذي يمارسه «حزب الله» على الجمهورية فارضاً على اللبنانيين حرماناً رئاسياً منذ أكثر من عامين، تفاعلت خلال الساعات الأخيرة فضيحة تعطيلية أخرى موصومة بختم الحزب وتمس مباشرة صحة المواطنين سيما منهم أهالي العرقوب المحرومين من الاستشفاء بفعل منع تشغيل مستشفى الشيخ خليفة بن زايد في شبعا منذ أكثر من 7 سنوات «بأمر من السيد حسن نصرالله شخصياً».

هذه الفضيحة الصحية اللاإنسانية التي تضاف إلى سجل فضائح «حزب الله» الأمنية والسياسية والمالية، أضاءت عليها كتلة «المستقبل» بإشارتها أمس إلى «خطورة استمرار الإقفال القسري للمستشفى رغم جهوزيته» واضعةً ذلك في مصاف الجرائم المرتكبة بحق المواطنين الجنوبيين خصوصاً والدولة عموماً. وأوضح مرجع في الكتلة لـ«المستقبل» أنّ الحزب يتخذ سلسلة من الحجج الواهية مبرّراً لقرار منع افتتاح المستشفى الذي اتخذه نصرالله وتبلّغه وزير الصحة وائل أبو فاعور بذريعة أنّ «حزب الله» لا يسمح بتشغيل مستشفى الشيخ خليفة في شبعا للحؤول دون إمكانية تسرّب السوريين عبر مرتفعات جبل الشيخ الحدودية للاستفادة من خدماته الطبية.

في ضوء ذلك، وعلى الرغم من إنجاز بناء المستشفى الواقع بين بلدتي شبعا والهبارية عام 2009 وتجهيزه بأحدث التقنيات والتجهيزات الطبية بتكلفة بلغت 15 مليون دولار مموّلة من دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أنّ هذا الصرح الطبي المقام على مساحة 12590 متراً مربعاً لا يزال ممنوعاً من مزاولة أعماله الاستشفائية حتى اليوم بفعل حظر قسري تفرضه قيادة «حزب الله» وتحرم عملياً بموجبه نحو 35 ألف مواطن جنوبي من خدماته الطبية، وقد وقع أحدهم ضحية هذا الحظر مطلع الشهر وهو المسعف الشاب أحمد شاكر ماضي (17 عاماً) بعدما تعرض لحادث سير مروّع في شبعا وسرعان ما فارق الحياة متأثراً بالنزيف الحاد الذي أصابه بينما أقرب مستشفى حكومي للمنطقة التي وقع فيها الحادث تبعد نحو 20 كيلومتراً. وعلى الأثر بدأت التحركات الشعبية تأخذ منحى تصعيدياً تصاعدياً ضد تسلط «حزب الله» على المنطقة ومنعه أبناءها من الاستشفاء فيها، وسط تأكيد أوساط أهلية وميدانية على كون كرة الاحتجاجات تكبر ولن تستكين حتى تتحمل الدولة ووزارة الصحة مسؤولياتها وتتخذ قراراً سريعاً برفع الظلم اللاحق بعموم أهالي العرقوب نتيجة منع «حزب الله» افتتاح مستشفى شبعا وتشغيله

الوضع المالي

في الغضون، انعقد مجلس الوزراء أمس في جلسة عرض خلالها وزير المالية علي حسن خليل للوضع المالي العام مشدداً في خلاصة عرضه على استحالة انتظام الوضعين المالي والاقتصادي في الدولة من دون استقرار سياسي ومؤسساتي وأمني في البلد. ونقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ خليل أكد أنّ الأوضاع المالية لا يمكن أن تستتب في الدولة من دون إقرار القوانين وإقرار الموازنة العامة في مجلس النواب، لافتاً إلى أنّ الاستقرار المالي يحتاج إلى استقرار سياسي يشمل انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل كل من مجلسي النواب والحكومة، وهو ما رأى فيه عدد من الوزراء تحفيزاً على الإسراع في تلقف «السلّة» التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري لحل الأزمة الرئاسية والسياسية والمؤسساتية المستحكمة بالبلد.

الديار :

بدت السفيرة الأميركية اليزابت ريتشارد وكأنها وصلت تسللاً الى مطار بيروت، وتسللاً أيضاً انتقلت الى عوكر، كل الضوء تقريباً كان موجها على وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت الذي كاد يقول ان لبنان جزء من فرنسا. ولكن ماذا تستطيع بلاده ان تفعل اذا كان الكرسي الرئاسي عالقاً بين اسنان صراع لم يشهد الشرق الاوسط له مثيلاً منذ أن هبط آدم الى مكان ما في هذه المنطقة.
ولعل ايرولت قرأ ما كتبه سلفه أوبير فدرين من انه في تلك اللحظة اندلعت أزمة الشرق الأوسط وما تزال...
ريتشارد توصف بالشخصية المتعددة الابعاد، عقل ديبلوماسي واستخباراتي في آن، هي من الذين يقولون بشبكة أمان أميركية فوق لبنان، ودون أن تحيد قيد أنملة عن السياق الكلاسيكي للديبلوماسية الأميركية، لبنان من دون «حزب الله» اليوم أو غداً أو بعد غد...
لا أحد يتوقع أن تتفوه بالاسم الذي يمكن ان يحمل ذات يوم لقب «صاحب الفخامة». كان ريتشارد جونز يرد على اسئلة القلة من السياسيين اللبنانيين الذين كان يعتبر ألا مشكلة في بقائهم على سطح الارض بالقول «أليس من الأفضل ان تسألوني اي رئيس جمهورية نريد للمريخ؟».
سياسيون وتساءلوا ماذا كان رأي سعادة السفيرة حين كان الوزير الفرنسي يظهر على الشاشات؟ ما دامت أميركية وبراغماتية لقالت ان وزير الخارجية الأميركي، اي وزير خارجية أميركي، لا يذهب الى أي مكان الا ليقول شيئاً.
غداً أو بعد غد لا بد أن يقول لها أحد الزوار التقليديين للسفارة الأميركية ان لبنان الذي يعيش كل هذا الفراغ السياسي، لا يريد أن يعيش الفراغ الديبلوماسي أيضاً، هل يكفي أن يزوره وزير خارجية الدانمرك؟
حتى ان وزير الخارجية المصري يزور تل ابيب ولا يزور بيروت، للتذكير فقط فان الأمين العام لجامعة الدول العربية يدعى أحمد أبو الغيط الذي يقال أيضاً انه مثل نبيل العربي، وعمرو موسى، يتقن هز البطن وهز الرأس...
جاء ايرولت ليكسر الايقاع الرتيب لليوميات اللبنانية. مصادر عين التينة تقول ان الرجل كان واقعياً وصريحاً «حاولنا ولم ننجح وسنحاول» بالطبع، عومل الزائر الفرنسي بالكثير من اللياقة. لا أحد فاجأه بالقول ان الديبلوماسية الفرنسية فقدت معناها، وتأثيرها، وصدقيتها من سنوات...
في العمق السعودي، يُنظر الى الديبلوماسية الفرنسية على انها ديبلوماسية التسويق، وفي العمق الايراني ، ينظر الى الديبلوماسية الفرنسية على انها ديبلوماسية الرقص على  خيوط العنكبوت...
لياقة جاء الرئيس سعد الحريري من السعودية لتناول العشاء في قصر الصنوبر، ربما يعرف اكثر مما يعرف الوزير عن الخفايا الفرنسية...
هل حقاً ان طهران انزعجت كثيراً عندما اتصل فرنسوا هولاند بالنائب سليمان فرنجية غداة ترشيحه من قبل الحريري؟ هذا صحيح. الايرانيون ليسوا مثل العرب، لا يثقون بالاليزيه ولا بالكي دورسيه. تجربتهم مريرة مع لوران فابيوس في فيينا، حتى اذا ما تم توقيع الاتفاق، سارع للسفر الى طهران: هذه بضاعتي...
اوساط بيت الوسط توحي بأن الموقف السعودي لم يتزحزح. العماد ميشال عون لا يزال بعيداً جداً عن قصر بعبدا مهما ردد نواب التيار الوطني الحر بأن الحصان (الابيض) مثل الدخان الابيض بات جاهزاً للصعود الى القصر...
حتى الآن لا يزال ترشيح رئيس تيار المردة قائماً ليس كخيار استراتيجي لتيار المستقبل، وانما كونه افضل خيار لمنع الجنرال من الوصول...
لم يعد سراً ان ثمة مَن قال للنائب وليد جنبلاط «ليعلن الحريري تبنيه ترشيح عون، وحينذاك يُعرف ما اذا كان نواب «حزب الله» سيقاطعون ساحة النجمة أم انهم سيكونون أول الواصلين».
جنبلاط أخذ علماً بأنهم سيكونون أول الواصلين، لكن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حائر مثل غيره. لا يعرف ماذا في اليوم التالي. الثابت انه لا رئيس جمهورية في الوقت الحاضر، ولا حتى قانون انتخاب.

 قانون الطرابيش 

الرئيس نبيه بري قال «تقطع يدي ولا اوقع على التمديد». هل المشكلة في التمديد ام في قانون انتخاب على قياس لبنان وعلى قياس اللبنانيين لا على قياس اصحاب الطرابيش؟
الوزير الفرنسي قال، ضمناً، ان اللبنانيين، ان شاؤوا، يستطيعون ان يصنعوا رئيساً على طاولة الحوار في الجلسة المفتوحة أيام 2 و3 و4 آب. وجه نداء الى الجميع «من اجل أن يتحمل كل طرف مسؤوليته ويعمل لايجاد حل سياسي، الأمر الذي لن يتحقق الا في اطار الحوار بين اللبنانيين. مؤكداً ان لبنان كان وسيبقى اول الاولويات بالنسبة الى فرنسا».
وكانت تقارير قد وردت من باريس ونقلت عن باتريس باولي، السفير السابق في بيروت ورئيس دائرة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية، قلقه الشديد حيال حالة التآكل التي تضرب مفاصل الدولة في لبنان الذي يمشي على خط الفضائح اذا كان للمنطقة ان تمشي على خط الزلازل او على خط الحرائق.
غير ان مصادر ديبلوماسية اوروبية تقول ان الاميركيين يعتبرون ان الوضع في لبنان ليس سيئاً الى الحد الذي يتم تصويره، حتى ان عسكريين وامنيين اميركيين يزورون بيروت يرون ان لبنان مر خلال السنوات الثلاث المنصرمة في «ظروف هائلة» كانت تهدد بتفجير البلاد، وعلى غرار ما حصل ويحصل في سوريا.
غير ان لبنان تمكن من تجاوز تلك المنعطفات، وهو الان في وضع افضل بكثير، دون ان تكون احتمالات الخطر قد زالت. ثمة آلاف المقاتلين من «داعش» و«النصرة» على سفوح السلسلة الشرقية كما ان سوريا التي تحيط بلبنان على مدى 375 كيلومتراً تعيش حرباً ضروساً ودائماً في اتجاه التصعيد.

 السلة مفخخة 

ولا يخف على احد ان باريس بذلت اكثر من محاولة لثني البلاط السعودي عن الغاء هبة الثلاثة مليارات دولار الى الجيش اللبناني، حتى انها ابلغت مراجع لبنانية بان محاولتها اقتربت من النجاح قبل ان يعلن السعوديون اقفال الملف نهائياً.
ايرولت دعا الى لبننة الاستحقاق، البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الذي على دراية بكل تفاصيل الاتصالات الديبلوماسية، دعا الكتل النيابية الى عزل الملف اللبناني عن النزاع السعودي - الايراني، وبالتالي صناعة رئيس للجمهورية بايد لبنانية.
الطبقة السياسية امام اختبار تاريخي في الاسبوع الاول من شهر آب المقبل. التصريحات التي تصدر عن مختلف الافرقاء لا تشي بوجود شيء ما داخل قبعة الساحر. حتى قبعة الساحر فارغة. السلة المتكاملة تدحرجت والرئيس فؤاد السنيورة من اصحاب مدرسة الشك والتشكيك.
وعلى هذا الاساس اشاع في صفوف تيار المستقبل ان السلة مفخخة، ووضعها على الطاولة يشق الطريق باتجاه المؤتمر التأسيسي، وعلى اساس ان الطائفة السنية وحدها هي التي ستتضرر من اي محاولة حتى لتغيير كلمة واحدة في اتفاق الطائف.
مصادر سياسية تتساءل ما اذا كان موقف تيار المستقبل من السلة قد فجر الوضع فجأة بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة.
وكان خليل قد عرض تقريره المالي، عارضاً للسنوات السابقة وغياب الموازنات، معتبراً ان الازمة بنيوية ولها علاقة بوجود الدولة ومؤسساتها وعدم وجودها».

الجمهورية :

على وَقع المراوحة الرئاسية وتسجيل عدّاد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية العتيد الرقم 42 مع انعقاد الجلسة المقرّرة ظهر اليوم، والتي تسبقها جلسة اللجان النيابية المشتركة لمتابعة درس اقتراح القانون الانتخابي المختلط، وبين جلسة مجلس الوزراء «المالية» أمس والـ»عادية» غداً، إختتم وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت زيارته للبنان من دون إحداث أيّ خرق في جدار أزمة رئاسة الجمهورية المسدود.

ولخّصت مصادر سياسية اجواء المحادثات التي أجراها ايرولت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وقبله رئيس الحكومة تمام سلام والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مكتبه الخاص ووزير الخاجية جبران باسيل، فأكدت انّ ايرولت لم يحمل اي مبادرات، وكذلك لم يطرح اي أفكار تساهم في بلورة او إنتاج حلول للملف الرئاسي وسائر الملفات اللبنانية العالقة. واشارت الى انّ الرجل حرص خلال محادثاته على ان يكون ودياً، وكثيراً ما قدّم مجاملات وتمنيات.

وطرح أسئلة واستفسارات حول كثير من القضايا الداخلية. كذلك حرص على تأكيد موقف فرنسا الداعي الى إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان في أقرب وقت، مشدداً على دور القيادات اللبنانية في نسج التوافق والتفاهم حول هذا الاستحقاق.

ونقل ايرولت حرص المجتمع الدولي على استقرار لبنان، مشيراً الى الخطر الذي يشكّله الارهاب في العالم كله، ومُثنياً على دور لبنان في مواجهة هذا الارهاب والانجازات التي يحققها في هذا المجال.

ولفت ايرولت الى موقف فرنسا والمجتمع الدولي المشدّد على ضرورة النأي بلبنان عن الأزمة السورية ومنع تَمدّدها اليه. وعَبّر عن ارتياحه الى الوضع الأمني والهدوء الذي ينعم به الجنوب اللبناني. داعياً الى المحافظة على هذا الوضع ومنع حصول اي خروقات من الجانبين اللبناني والاسرائيلي.

وشدّد رئيس الديبلوماسية الفرنسية على دور القيادات اللبنانية في نسج التفاهمات في ما بينها لتجاوز الأزمة التي تعصف ببلدها، مؤكداً «تضامن فرنسا الكامل» مع لبنان ربطاً بأزمة النازحين السوريين والعبء الذي يشكّله هؤلاء على لبنان.

وأثنى ايرولت على دور الجيش والاجهزة الأمنية اللبنانية في مواجهة الارهاب وحماية أمن لبنان واستقراره.

وهنا، تجدر الإشارة الى انّ برّي، وبعدما عرض لإيرولت الوضع اللبناني والتحديات التي يواجهها لبنان، خصوصاً في ما يتصِل بالارهاب الذي يَتهدده، شَدّد للوزير الفرنسي على أهمية وضرورة دعم الجيش معتبراً انّ أولى الواجبات الفرنسية لتأكيد هذا الدعم تكمن في مبادرة باريس بما لها من علاقة قوية مع السعودية، الى إعادة تحريك الهبة السعودية للجيش اللبناني وإقناع المملكة بتغيير رأيها والافراج عن هذه الهبة التي تشكّل حاجة ماسّة للجيش في هذه المرحلة. وقد وعد الوزير الفرنسي خيراً في هذا المجال.

وقالت المصادر نفسها انّ ايرولت شدّد على اهمية الاستقرار السياسي في لبنان، مشيداً في هذا السياق بالحوار الذي يرعاه بري، آملاً في ان تؤدي الجلسات الحوارية المتتالية المزمع عقدها في أول آب المقبل الى حلول ترضي اللبنانيين.

وكان ايرولت ثَمّن الدور الذي يؤديه بري ورعايته للحوار الوطني «الذي هو ضرورة مهمة للبنان»، معتبراً انّ نظرته «هي نظرة رجل وطني يحبّ بلده ويريد ويعمل على حل أزماته عبر الحوار بين جميع القوى اللبنانية من اجل اتفاق متكامل يسمح في الوقت نفسه بانتخاب رئيس الجمهورية وتفعيل الحكومة والمجلس النيابي من أجل مصلحة لبنان. ونحن نعرف انّ هذا الامر صعب لكنه ضروري».

في السراي

ومن السراي الحكومي، اعتبر ايرولت انّ الوضع السياسي يعقّد مهمة رئيس الحكومة تمام سلام، وأنّ مصلحة الشعب اللبناني تقتضي الخروج من هذه الازمة ليتمكّن من مواجهة التحديات الكبرى الإقتصادية والإجتماعية والأمنية، وكذلك معالجة مسألة اللاجئين».

وكَرّر التشديد على وجوب ان يتحمّل كل طرف مسؤوليته، ويعمل على إيجاد حل سياسي لن يتحقق الّا في إطار الحوار بين اللبنانيين. وشدّد ايرولت ايضاً على انّ بلاده «لن تألو جهداً في محاولة إيجاد حل أو المساعدة على إيجاد حلّ للبنان».

وعلمت «الجمهورية» انّ ايرولت كان خلال لقائه مع سلام مستمعاً أكثر منه متكلّماً. وبعدما عرض رئيس الحكومة لواقع الحال، طرحَ وزير الخارجية الفرنسي أسئلة عدة حول الوضع الداخلي، مؤكداً حرص بلاده على الاستمرار في السعي لحَلّ الازمة اللبنانية، وانها لن تتخلى عن لبنان وستواصل الاتصالات مع الجهات المعنية لإيجاد مخارج والدفع في اتجاه التَوصّل الى حل، خصوصاً مع السعوديين والايرانيين.

وقالت مصادر واكبَت زيارة ايرولت، لـ»الجمهورية»، انه لم يحمل ايّ مبادرة او اقتراح، وأنّ لقاءاته السريعة دَلّت الى غياب البحث الجدي في خطوات عملانية، وأنه ركّز في محادثاته على الخطوط العامة من دون التسويق لأمر محدد، وكان استطلاعياً مستمعاً في معظم الاحيان مُتّسِماً بهدوء يعكس إدراكه أنّ إحداث خرق في الازمة حالياً هو من المهمات الصعبة. وحتّى عندما أتى على ذِكر الهبة السعودية للجيش اللبناني، قال بنَحو عابِر: «سأحاول إحياءها من دون إغداق الوعود».

في بكركي

ومن بكركي شدّد ايرولت على أنّ «كلّ طرف من الأطراف اللبنانيين عليه أن يكون مبادراً للقيام بما عليه للوصول إلى حلّ، وفرنسا لا تقرّر عن اللبنانيين بل تساعد من أجل مصلحتهم».

وإذ أكّد أنّ «الشعب اللبناني يواجه كثيراً من التحديات الأمنية»، لفتَ إلى أنّ «هناك تداعيات سلبية ودراماتيكية للنزاع السوري على لبنان، خصوصاً لجهة النازحين»، مشدّداً على أنّ «علينا حماية لبنان من تداعيات الحرب في سوريا وعليه أن يواصل الإعمار والإنماء».

وشَكر الراعي لفرنسا اهتمامها بالوضع اللبناني، مُكرراً دعوة المجلس النيابي الى الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن النزاعات في سوريا والمنطقة عموماً، ولا سيما منها النزاع الإيراني ـ السعودي».

مع «حزب الله»

وفي لقاءٍ يُعتبر الأكثرَ أهمّية بمسار العلاقات بين فرنسا و»حزب الله»، بعدما كانت باريس قد وافقت على إدراج الجناح العسكري للحزب على لائحة الإرهاب، عَقد إيرولت اجتماعاً مع وفد من «حزب الله» في قصر الصنوبر دام أربعين دقيقة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الخارجية الفرنسية كانت قد طلبَت لقاءَ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، لكنّ الحزب ارتأى أن يكون اللقاء مع النائب علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية عمّار الموسوي.

وقد تمحوَر اللقاء حول الملف الرئاسي بالدرجة الأولى، إضافةً إلى ملف النازحين السوريين والقرار الدولي 1701، وسادته أجواء من الودّ والصراحة والانفتاح، وكان إيرولت مستطلعاً، واستعجلَ إنجاز هذا الاستحقاق، مشدّداً على ضرورة أن يتفاهم اللبنانيون على إتمامه في أسرع وقت ممكن.

وأكد اهتمامَ بلاده الشديد بأن يبقى اللبنانيون على حوار وتواصل بعضهم مع بعض. وأبدى حرصَه على فهم موقف «حزب الله» من القضايا اللبنانية وتحديداً من الموضوع الرئاسي.

وأكّد الوفد للمسؤول الفرنسي أنّ «حزب الله» مع إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت وأنّ مرشّحه هو العماد ميشال عون، لأنّه يمثّل الشريحة المسيحية الكبرى والاكثر تمثيلاً في لبنان، وهو شخصية يُؤمّن لها، وأنّ اختياره يشكّل نقلةً في سياق الانفراج السياسي في لبنان. ودعا الحزب فرنسا إلى استخدام نفوذها في إقناع السعوديين وتيار «المستقبل» بضرورة وصول عون الى سدّة الرئاسة.

ولم يعلّق إيرولت على موقف الحزب الداعم عون مرشّحاً للرئاسة.

وأكّد ضرورة أن يتبادل اللبنانيون الضمانات، بمعنى أن يطمئنوا بعضهم إلى بعض، خصوصاً في الموضوع الرئاسي.

وفسّرت مصادر مطّلعة هذا الكلام بأنّه تتمّة لما كشفَه ديبلوماسي فرنسي منذ مدّة عن إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان على القاعدة الآتية: «يَقبل الرئيس سعد الحريري بعون رئيساً إذا تلقّى ضمانات من «حزب الله»، فقيلَ له تستطيع ان تأخذ الضمانات من عون، فرفضَ الحريري وأصرَّ على طلبِها من الحزب»، وذلك بحسب الديبلوماسي الفرنسي.

وفي هذا السياق، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ موضوع الضمانات قد يكون مرتبطا بما سعت الديبلوماسية الفرنسية الى تسويقه في لقاءات غير معلَنة مع قيادات سياسية وحزبية لبنانية، وفيها أنّ الحريري يقبل بعون رئيساً للجمهورية أذا تلقّى ضمانات من الحزب».
وفي موضوع القرار 1701 شدّد «حزب الله» للوزير الفرنسي على أهمّية الاستقرار في الجنوب ودور المقاومة في إنتاج هذا الاستقرار.

أمّا في ملف النازحين السوريين فقال إيرولت أمام وفد الحزب إنّ بلاده تولي هذا الملف اهتماماً خاصاً، وهي تَعلم انّ لبنان لا يستطيع ان يتحمّل ما لا يتحمّله ايّ شعب آخر.

فردّ الحزب مؤكداً أنّ هذا الامر يحتاج الى ترجمة على مستوى المساعدات وتأمين عودة النازحين الى بلادهم، فأجاب إيرولت: «نحن نؤكد أنّه عند انتهاء الأزمة السورية فإنّ هؤلاء لا يريدون البقاء، بل العودة، ونحن سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذا الأمر».

 

اللواء :

على مدى ثلاث ساعات، استمع الوزراء إلى عرض تفصيلي معزز بالأرقام والوقائع المالية، والاحصاءات المستمدة من دائرة الاحصاء المركزي ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، قدمه وزير المال علي حسن خليل، وكشف فيه عن خلل بنيوي في المالية العامة ايرادات ونفقات، مقترحاً إصلاحات بعضها مالي - دستوري وإقرار الموازنة في موعدها، وبعضها يتعلق بتحريك العجلة الاقتصادية من خلال إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والاهم من كل ذلك اعتبار الاستقرار السياسي، المتمثل بانتخاب الرئيس وتفعيل المؤسسات الدستورية، بمثابة شرط مسبق وضروري لتحسين الأوضاع المالية للدولة.
وداخل الجلسة، سعى الوزراء إلى استيضاح الوزير خليل والاستفسار عن أرقام بعينها، وبعد ان كشف ان لديه ملحقاً يتعلق بالحسابات وقطع الحسابات العالقة منذ العام 1997 حتى العام 2010، كاشفاً انه لم يتم إنجاز سائر الحسابات وعددها عشرة، حيث بقي أربعة منها، تمهيداً لما وصفه «بالمحاسبة والمساءلة».
وقبل أقل من أسبوع من العودة لمناقشة التقرير يوم الاثنين المقبل، تحول تقرير الوزير خليل إلى مادة تجاذب سياسي، مما حفز بعض الوزراء للانصراف إلى اعداد أوراق مالية للرد على ما تضمنه التقرير، وربما حدوث منازلة حول الملحق الذي سيقدمه وزير المال في جلسة الاثنين، على وقع انفجار الأزمة الكامنة بين الرئيس فؤاد السنيورة الذي شغل منصب وزير المالية في الفترة التي يتحدث عنها محلق وزير المال والوزير خليل، انطلاقاً من أزمة 11 مليار دولار التي لم يتم احتسابها بعد أو كيفية انفاقها.
وعلمت «اللواء» ان وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج سيعد مطالعة يناقش فيها أرقام خليل ورؤيته للأزمة البنيوية، وكذلك الحال بالنسبة لوزراء آخرين.
وتساءلت مصادر سياسية عن سبب إندلاع الاشتباك الذي يمكن ان يتحوّل إلى أزمة بين كتلة المستقبل التي يرأسها الرئيس السنيورة وكتلة التنمية والتحرير التي ينتمي إليها وزير المال، واستطراداً مع الرئيس نبيه برّي.
وفيما تحفظت هذه المصادر عن تفسير لهذا السجال المفاجئ الذي يؤثر سلباً على التسوية السياسية التي نصح وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت اللبنانيين بالتفاهم عليها، في إطار الحوار الداخلي للبحث عن حلول، رأى مصدر نيابي، رفض الكشف عن هويته، ان الاتفاق النفطي بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» قد يكون هو سبب هذا السجال، أو إشارة وزير المال في بيانه إلى ما وصفه بـ«قطوعات الحسابات» عن الأعوام 93 حتى 2010، حتى نواكب أي احتياج لإقرار إجراءات بالمرحلة المقبلة تتعلق بالمحاسبة والمساءلة.
وهذه العبارة قد تكون هي التي استفزت الرئيس السنيورة الذي ضمن بيان كتلة «المستقبل» أمس، بنداً يتعلق بالموضوع المالي للدولة اللبنانية، حيث تحدث البيان عن ان «وزارة المال تقاعست عن تدبير وتأمين ما امكن من المصادر المالية الصحيحة والمجدية لتعزيز واردات الخزينة»، مشيراً إلى «تصاعد الشكوى والمظاهر التي لم تعد تخفى على أحد حول الانفلات المالي في إدارة المال العام وتفشي الفساد والرشوة والهدر المالي المتفلت من أية ضوابط حقيقية»، داعياً الوزارة إلى «اعتماد سياسة الانضباط المالي في اعداد الموازنات العامة في المواعيد الدستورية والحرص على اقرارها في هذه المواعيد»، منتقداً عدم اقدام وزارة المال على مصارحة المواطني<