"الجلسة مِش ماشية". كلّ مَن تابعَ مسار جلسات محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير كان على يقين بأنّ جلسة أمس لن تسير، وستذهب إلى تأجيل، وما سيَليها من جلسات سيَلقى المصير ذاته. وهذا ليس للإشارة إلى أنّ وكلاء الدفاع عن الأسير هواة تأجيل، إلّا أنّ للقضية في ميزانهم "حسابات أخرى، والاستعجال لا ينفع". في هذا السياق يؤكّد مصدر أمنيّ لـ"الجمهورية": "أنّ هيئة المحكمة على استعداد لمختلف السيناريوهات، ومَن يُراهن على تمرير الوقت فسيكون الخاسرَ الأكبر".

 

إلى الثلثاء 6 أيلول أرجَأت المحكمة العسكرية الدائمة متابعة محاكمة الأسير في أحداث عبرا، لأسباب صحّية، بعدما مثلَ الأسير أمام هيئة المحكمة برئاسة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم، ليؤكّد عدم جهوزيته للاستجواب، نظراً لأوضاعه الصحية.

ولم يتردّد الأسير في رفع عباءته لإظهار جسدِه النحيل. هنا لا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ الأسير غادرَ سجن الريحانية باللباس الخاص بالمساجين، الزيّ الكحلي المقلّم بالأحمر، وارتدى في نظارة "العسكرية" زيَّه الديني، العباءة التي عُرف بها، وكان قد سلّمها وكلاء الدفاع عنه للمحكمة.

أبعد من تفاصيل الجلسة

رغم أنّ الجلسة كانت "حامية"، لم يعُد مثول الأسير حدثاً بحدّ ذاته أمام قوس المحكمة، نظراً إلى نجاح رهان "التأجيل" في كلّ مرّة منذ بدء محاكمته. ربّما العنصر الإضافي على المشهدية وتحديداً رفعُ الأسير عباءتَه خطفَ الأنظار، إلّا أنّه لم ينجح في خطفِ عاطفة الحاضرين، نظراً إلى التهَم المساقة بحقّه ولارتكاباته بحقّ أبناء المؤسسة العسكرية.

"طبيعي يضعَف جسمو طالما معو سكّري"، يعلّق المصدر الأمني، مشيراً إلى "أنّ مكان توقيف الأسير وفترة توقيفه خارج صلاحيات المحكمة بل النيابة العامة، وممثّلُ النيابة العامة أوضَح أنّ النظر جارٍ في درس طلبِ نقلِه من سجن الريحانية، لا سيّما وأنّ للطلب حيثيات، وحسابات أمنية وغيرها". وهنا لا بدّ مِن التذكير بأنّ المحكمة سبقَ أن عيّنت لجنة طبّية للنظر بوضع الأسير الصحي، ما يؤكّد حرصَها على صحته.

لم تكد تُعقد الجلسة قرابة الثانية والنصف بعد الظهر حتى تقدّمَ وكلاء الدفاع المحامون أنطوان نعمة ومحمد صبلوح وعبد البديع عاكوم، معترضين على الأوضاع غير الصحّية التي يعيشها الأسير في سجن الريحانية، بالإضافة إلى عدم اطّلاعهم على التحقيقات التي أجراها الأمن العام بعد توقيف الأسير، ومذكّرين بالإخبار الذي تقدّموا به سابقاً بعنوان "من أطلقَ الرصاصة الأولى".

تأجيل عن سابق تصميم

رغبةُ التأجيل وعدم السير في المحاكمة فنَّدها صبلوح لـ"الجمهورية": "أخذنا قراراً بعدم السير بالجلسات لثلاثة أسباب، أوّلاً وضعُ الأسير الصحي بات على المحكّ، تدهورَ إلى أسوأ الظروف، بدأ العقر يَبرز في جسده النحيل نتيجة نقصِ الحركة. ثانياً، لا يُعامل الأسير أسوةً ببقية المساجين، وتحديداً بالسجين ميشال سماحة، الذي يلقى معاملة 5 نجوم وكأنّه في منزله".

وردّاً على سؤال: "كيف لـ"الأسير" أن يعرف طبيعة معاملة سماحة وهو في زنزانته؟، يجيب صبلوح: "السبت المنصرم بعدما خرجَ الأسير ليقابل عائلته التي حضرَت لزيارته، لفتَت انتباهَه علبُ البيتزا الفارغة أمام زنزانة سماحة، فاعترضَ مستفسراً، "كيف يحصل سماحة على البيتزا وأنا لا"؟، فكان الردّ الصاعق عليه: "بما أنك قلتَ ذلك، ستُحرَم من نزهتِك هذا الاسبوع!". وثالثاً: "نطالب بنقلِ الأسير إلى سجن يناسب ظروفه الصحية ليتمكّن من الدفاع عن نفسه والإجابة عن أسئلة هيئة المحكمة، كضمانة للمحاكمة العادلة".

واعتبر صبلوح أنّ مِن الأسباب الموجبة للامتناع عن حضور الجلسات، تجاهل الإخبار الذي سبقَ أن قدّمه وكلاء الدفاع بعنوان "من أطلقَ الرصاصة الأولى"، قائلاً: "المؤسف أنّ الإخبار لا يزال في دُرج النيابة العامة، علماً أنّ هذا الإخبار مرتبط بالقضية وبكشفِ الحقائق".

وأضاف: "حتى الآن لم نطّلع على تحقيقات الأمن العام، لم يُسمح لنا بذلك على اعتبار أنّه سرّي، إلّا أنّ العميد إبراهيم أوضح أنّها ليست سرّية، وقد سَمح لنا بالاطّلاع عليها متى نريد".

ونفى صبلوح أن يكون لوكلاء الدفاع مصلحة في المماطلة، قائلاً: "لا مصلحة لنا بالمماطلة، ولكن أقلّه أن ننال مطالبَنا المحقّة ونوفّر لوكيلنا ظروفاً تتيح له المثول على نحو سليم أمام الهيئة". تأجيلُ جلسة الأسير أثارَ نقمة بقيّة وكلاء الدفاع عن المتهمين الآخرين في الملفّ، وقد علَت نقمتُهم مطالبين بفصلِ ملفّ الأسير عن بقية الموقوفين.

بانتظار بلوَرة صفقة؟

في المقابل يَعتبر المصدر الأمني أنّ للتأجيل خلفيات مغايرة، فيقول: "إستنفَد وكلاء الدفاع كلّ الطرق القانونية التي تسمح لهم بالتأجيل والمماطلة"، مستغرباً "الجدوى من التأجيل لأخذِ موقف أو للاطلاع على ورقة، لا سيّما وأنّ بحوزتِهم نسخة كاملة عن الملفّ منذ 11 شهراً"، غير مستبعِد اعتقادَهم "التأجيل للأسباب عينها التي يشير لها المتّهم بتفتجيرات الضاحية نعيم عباس» غامزاً بذلك إلى «إعتقادهم بإمكانية بلوَرة صفقة تبادُل مع خاطفي العسكريين".

أمّا بالنسبة إلى التحقيقات لدى الأمن العام، وعدم اطّلاع وكلاء الدفاع عليها، يجيب المصدر: "لم يتقدّموا بأيّ طلب من الأساس للاطّلاع على الملف أو تصويره، وما يقومون به مجرّد حيلة، ونوع من المماطلة، وتلفيقات من شأنها أن تطال المحكمة"، مشيراً إلى "أنّ عدم تصوير وكلاء الدفاع لملف التحقيقات لدى الأمن العام ليس من مسؤولية المحكمة، ولا جدوى من المطالبة بها أو حتى إمكانية الطعن بها لاحقاً". ويضيف: "مِن بين الدلائل على لا قانونية ما يقوم به وكلاء الدفاع إنزعاجُ زملائهم المحامين منهم واتّهامهم بإضاعة الوقت".

وهل يمكن بعدُ فصلُ ملف الأسير عن بقيّة الملفات؟ يوضح المصدر: "ليس بوسعِ المحكمة تفصيل جلسات على مقاس كلّ متّهم وموقوف، سبق أن قامت الهيئة بمبادرة حسنِ نيّة بتجزئة الملف إلى ملفّين فقط، نظراً إلى خصوصية أحكام الموقوفين ومشارفة بعضهم على إنهاء محكوميتهم".

وأضاف: "أصدرَت المحكمة 54 حكماً، ولا يزال نحو 36 حكماً، 10 منهم يحاكمون غيابياً، والـ 26 الباقون من أركان الأسير، فمِن المستحيل تجزئة الملف".

السيناريوهات المنتظرة

وفي حال كانت وجهة وكلاء الدفاع إلى التأجيل في الجلسة المقبلة مطلع أيلول، يؤكّد المصدر "أنّ المحكمة لن تتهاون مع معرقِلي سير العدالة، ولن تستخفّ بدماء الشهداء الذين سقطوا، ولا بآمال أهلِهم الذين يثابرون على حضور الجلسات"، مشيراً إلى أنّ المحكمة على استعداد للرهانات كافة، قائلاً: "لا يمكن للمحامي مقاطعة الجلسات لأسباب غير جوهرية، لا قانونية، لذا ستكون المحكمة بالمرصاد لأيّ تلكّؤ، وستأخذ الخطوةَ المناسبة بالتنسيق مع نقابة المحامين، أي إنّها ستنقل للنقابة الواقعَ وتكشف لها عن عرقلة ممنهَجة لسير محاكمة الأسير، وحتماً لن ترضى النقابة عن محامٍ يقاطع الجلسة من دون أسباب قانونية".

ويضيف: "نفهم أحياناً أنّ نقابة المحامين قد تأخذ قرار بمقاطعة الجلسات لأسباب جوهرية"، مؤكّداً "أن لا سُبلَ قانونية أمام وكلاء الدفاع بعدُ للماطلة في الجلسة المقبلة، لذا لا بدّ مِن بدءِ الاستجواب، وإذا تمّت العرقلة سيبدأها رئيس المحكمة على طريقته القانونية".

ناتالي اقليموس