لا يُتوقّع أن تأتي زيارة وزير خارجية فرنسا جان مارك أيرولت بنتائج سياسية أهم من تلك التي انتهت إليها زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولاند بيروت منتصف نيسان الماضي.

الخارجية الفرنسية التي كانت قد أجلّت زيارة إيرولت إلى لبنان التي كانت مقررة في 26 و27 أيار الفائت إلى ما بعد شهر رمضان، استبقت زيارته هذه المرة بكلام أقرب إلى التوضيح لم يحمل أي إشارة إلى مبادرة فرنسية في خصوص "عقدة" الرئاسة اللبنانية. وأعلن الناطق المساعد لوزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسي ألكسندر جيورجيني الجمعة "أن هدف زيارة إيرولت إلى لبنان هو التعبير عن الدعم الكامل لفرنسا لهذا البلد الصديق".

أضاف: "سيتطرق الوزير آيرولت في خلال لقاءاته مع مجمل المسؤولين السياسيين إلى دعم فرنسا للبنان الذي يواجه تحديات الجمود المؤسساتي المستمر وتداعيات الحرب في سوريا"، مشيراً إلى أنّ الوزير "سيذكِّر بالتزامنا بمسألة اللاجئين"، وسيزور القوة الموقتة التابعة للأمم المتحدة في لبنان.

من الواضح أن كلام جيورجيني كان حذراً جداً في انتقاء عبارته في ما يخص المسألة الرئاسية اللبنانية، إذ أبقاها مفتوحة على تأويلات يمكن أن تكون إيجابية كما يمكن أن تكون سلبية. فـ"دعم لبنان لمواجهة تحديات الجمود المؤسساتي المستمر"، يمكن أن يفسّر على أنّه جهد فرنسي لوضع حد للفراغ الرئاسي كما يمكن أن يعكس حرصاً فرنسياً على منع انهيار لبنان إلى درك أسوأ من ذاك الذي بلغه حتى الآن، وذلك بمعزل عن حل الأزمة الرئاسية.

والواقع أنّ الأزمة الرئاسية أعقد من قدرة فرنسا على حلّها. وهي، على ما يبدو من حركتها لحل هذه الأزمة، صادقة في مسعاها هذا بالنظر إلى الروابط السياسية والنفسية والتاريخية بينها وبين لبنان. لكن يبقى أنّ الكلمة الأولى في هذا الملف ليست لفرنسا التي تراجع نفوذها في الشرق الأدنى منذ الحرب العالمية الثانية. لكن الأهم من ذلك أنّ ملف الرئاسة اللبنانية خاضع لحسابات إقليمية أكثر منه لمعطيات دولية. وقد سعت باريس مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي زارها أواخر حزيران الماضي لحلحلة العقدة الرئاسية اللبنانية، لكن الأخير كرر الكلام الإيراني المعهود بأن "القرار يعود للشعب اللبناني"، وأنّه "علينا أن نسهّل الحل لا أن نتدخّل". هذا مع العلم أن ايرولت أعرب أمام ضيفه الإيراني وقتذاك عن استعداده لـ"وضع مبادرة مشتركة مع باريس لوضع حد للفراغ الرئاسي في لبنان"، وذلك بعد زيارته لبنان، لكن الجواب الإيراني أتى مبهماً كالعادة.

وما زاد من التشاؤم حيال إمكان حل أزمة الرئاسة اللبنانية بمساع فرنسية هو كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من باريس أواخر حزيران الماضي أثناء زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باريس، الذي اتهم فيه "حزب الله وإيران بعرقلة انتخاب رئيس للبنان". وقد نقلت "المدن" عن مصادر عليمة وقتذاك أن خلفية كلام الجبير كانت رفض عرض إيراني للغرب يربط بين الرئاسة اللبنانية والحل في سوريا، بحيث تقبل إيران بانتخاب رئيس لبناني شريطة إبقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه، على أنّ يكون الرئيس اللبناني العتيد "غير متناقض" مع الحكم في سوريا ولو كان لفترة إنتقالية.

عليه، لا يمكن الأمل بحل قريب للرئاسة اللبنانية، رغم التفاؤل المتنقل بين "الأفرقاء الرئاسيين" في لبنان، ساعة لدى النائب سليمان فرنجية ومحيطه، وساعة أخرى لدى الرئيس ميشال عون والمقربين منه. إذ إنّ المسألة اللبنانية باتت مسألة إقليمية مرتبطة بمسار الأحداث السياسية والعسكرية في الإقليم خصوصاً في سوريا. فإيران الممسكة بقوة بورقة الرئاسة اللبنانية لن تضيعها كرمى لعيون العماد عون أو سواه ما دامت لم تقبض في مقابلها ثمناً يرضيها في سوريا التي ما زالت فيها بين كرّ وفر في السياسة والميدان، خصوصاً في ظل خلط الأوراق على الساحة السورية بعد التقارب الروسي التركي، و"التباعد" الأميركي الروسي في الشأن السوري، الذي لا يعرف إذا ما كان تنصلاً أميركياً من المسؤولية عن أي تصعيد روسي في سوريا. كذلك لا ننسى أن  إيران تبدو غير راضية عن نتائج اتفاقها النووي مع الغرب، وكلام السيد علي خامنئي أخيراً واضح في تصعيده ضدّ أميركا وفي تشكيكه بهذا الاتفاق، خصوصاً أنّ طهران لم تقبض من أموالها المحجوزة في الغرب سوى 3 مليارات دولار على ما صرح جون كيري ذات مرّة. وظريف كان ملحاحاً في فرنسا على مسألة تذليل العقبات التي تضعها واشنطن أمام تعامل الغرب مع المصارف الإيرانية، وهو ما يصعّب إبرام أي عقود تجارية بين طهران والشركات الغربية. وهذا يعني أن إيران ستواصل ضغطها ومناوراتها في سبيل تحصين أوراقها الإقليمية بما فيها الورقة اللبنانية.

إذاً، من المفيد أن يعرف اللبنانيون حدود زيارة الوزير الفرنسي بيروت، كي لا يبالغوا في التفاؤل فيُحبطون. ومن المفيد أيضاً أن يعلم المرشحون الرئاسيون وحاشياتهم حقيقة مأزق الرئاسة اللبنانية والذي لن تحلحله بضعة زيارات ببدلة "رئاسية" فاخرة كتلك التي قام بها العماد عون أخيراً إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يفهم من إصراره على التقليل من أهمية زيارة عون على المستوى الرئاسي أنّه عالم ببواطن العقد الإقليمية المانعة لانتخاب رئيس للبنان.