في حلقة نقاش مغلقة، عربية ايرانية ، نظمها المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات في الدوحة أخيراً، كان الاستفزاز الايراني يلامس المحرمات، ويتباهى ضمنا بالحلف الجديد مع الاميركيين الذين لا يثقون بالعرب ولا يحترمونهم كأمة ولا كشعوب ودول ، تفتقر الى الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية..          
        لكن  الغريب ان الايرانيين الآتين الى النقاش من مواقع قريبة من مصنع القرار الرسمي في طهران، تفادوا هذه المرة المزايدة الايرانية التقليدية في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي الذي غاب ذكره تقريبا عن النقاش، ولم  يعيبوا ، كما جرت العادة، على العرب فشلهم في ادارة هذا الصراع وميلهم الى التفاهم والتعايش مع عدو الامة الاسلامية كلها، وتخليهم عن "خيار المقاومة"..                                   
لم تسقط القضية الفلسطينية من جدول الاعمال الرسمي الايراني، في اعقاب الاتفاق النووي مع اميركا، لكنها بهتت، وتراجعت الى الحدود الدنيا، سواء في الداخل الايراني الذي لم يعد يشعر بالحاجة الى استثمار تلك القضية في الحوار مع الاميركيين والغرب، حسبما كان في العقود الاربعة الماضية من عمر الثورة الخمينية، او في الخارج العربي الذي اختلفت اولوياته السياسية ، بحيث تقدمت مسائل الحكم والوحدة الوطنية والاسلام السياسي على الشأن الفلسطيني الذي كان في ما مضى مركزياً للعرب أجمعين.
           لم يعد الايرانيون معنيين، كما في السابق في "مصادرة" القضية الفلسطينية التي كانت وستظل تمثل أحد أهم عناوين الاخفاق السياسي العربي، بل باتوا يكتفون، على الطريقة العربية نفسها ، بالشعر والزجل الذي يتوقع تحرير الارض السليبة من النهر الى البحر. باتت المنابر على تواضعها، تعوض المجالس التي يفترض ان تتولى التفكير والتخطيط لحماية الشعب الفلسطيني ودعمه من اجل نيل الاستقلال الوطني.
         يوم القدس ، الذي يحل سنويا، في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان، حسب القرار الذي اتخذه الخميني في مستهل صراعه مع عراق صدام حسين، في ثمانينات القرن الماضي، فقد بالامس جذوته الايرانية. لم يخرج المرشد خامنئي متحدثا في مسيرة شعبية حاشدة ، كما في السنوات الماضية، ولم يطلق المتحدثون الايرانيون وحلفاؤهم العرب مواقف نارية تتعهد بمحو الكيان الصهيوني من الوجود. كان الخطاب الايراني يستعيد فكرة جوهرية مكررة منذ اليوم الاول: "كلما اقتربنا من فلسطين زادت المؤامرات والطعنات" ، التي أتت في البداية من صدام حسين الذي عطل الزحف الايراني نحو تحرير القدس، ثم الخليجي الذي تواطأ مع اسرائيل، ثم الارهابي التكفيري الذي ما قام الا ليقطع الطريق على المقاومة ويمنعها من التقدم نحو مقارعة العدو، ويعرقل عمل المحور المقاوم المتمثل بايران وسوريا والعراق.       
كان إلغاء المهرجان السنوي لحزب الله بالامس دليلاً دامغاً على تآمر الارهابيين التفكيريين مع الاميركيين والاسرائيليين والخليجيين والاتراك .. فقط من أجل ان تُحرف المقاومة اللبنانية عن مسارها وتتخلى سوريا عن "خيارها"، وتترك المقاومة الفلسطينية وحيدة في مواجهة العدو. أما الخطاب الذي تردد في المناسبة في طهران وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرهما ، فانه لم يخرج عن سياق معالجة حالة النسيان المفترضة  التي اصابت الفلسطينيين والعرب ازاء قضيتهم المركزية، وتحدث عن نجاحات لا يمكن لاي فلسطيني ان يلمسها، وعن خيارات لا يمكن  لاحد ان يزايد بها على اي فلسطيني. 
كانت المناسبة رومانسية اكثر مما كانت سياسية. كانت طهران باردة، وكانت الضاحية خائفة.. لم يكن هناك الكثير من النقاش حول الوضع الفلسطيني والمخارج المحتملة من الهزيمة القاسية والفرقة الموجعة والشتات المديد. المقاومة ليست نصيحة او وصية تقدم الى الفلسطيني، لانها هوية ثانية وثابتة تشهد عليها جميع مراحل الصراع الصعب مع العدو الاسرائيلي.                                       
       يوم للقدس، يوم لفلسطين: الذكرى تبتعد، والاستثمار يضعف.. والارهابيون التكفيريون يقطعون الطرق ليس إلا!