عندما يتحرّش رجل كبير بفتاة صغيرة لم تدرك بعد حقيقة الحياة الجنسية ولم يتسنّ لها الوقت لبناء هويّتها، لن تفهم في بادئ الأمر ماذا يجري. فالطفل الذي ينمو بشكل طبيعي يتعلّم أولاً رغباته الخاصة ومن ثمّ رغبات الآخر وكيفية الدخول بعلاقة معه. ولكن إذا ما تدخّل أحدهم عنوة في حياته الجسدية والنفسية فالتداعيات قد تكون وخيمة. تؤكّد المعالجة النفسية والأخصائية في التربية جيزيل نادر لـ”الجمهورية” أنّ “الحياة الجنسية للمرأة التي تعرّضت للتحرّش وهي صغيرة تشهد خربطة واضطرابات، فهي أدركت باكراً جداً أموراً كان يجب أن تختبرها تدريجاً مع تطوّرها الفكري والجسدي”.

التداعيات


ترى نادر أنّ “المشكلات قد تبدأ مع هذه الفتاة منذ عمر المراهقة، في حال لم يدرك الأهل أنّها تعرّضت للتحرّش في صغرها ويقوموا بعرضها على اختصاصيين لمعالجتها نفسياً من الآثار المدمّرة لهذا الفعل”.

وتوضح: “يُحتمل أن تنحرف هذه المراهقة وتلجأ إلى المخدرات، الإدمان، الدعارة… أو قد تتّجه إلى تعدّد العلاقات مع الجنس الآخر، فلا تكتفي بالارتباط بشاب واحد بل تسعى إلى تنويع شركائها باستمرار وإلى الخروج مع أكثر من شاب في الوقت عينه”.

اتجاهها نحو تعدّد الشركاء أو التحرّر الجنسي ليس نتيجة حتمية لما قد تعرّضت له من فعل عدائي في صغرها، إذ تؤدّي البيئة التي تنمو فيها هذه الفتاة دوراً أساساً في هويّتها المستقبلية ونموّها.

ظروفها الاجتماعية والعائلية وتفاعلها مع محيطها وبيئتها، عوامل حاسمة في بناء شخصيّتها وتحديد اتجاهاتها في الحياة. وربّما يكون للتحرّش بها في الصغر نتيجة عكسية ومغايرة، فتكره الرجال وتعمّم نظرتها السيّئة تجاههم، وترفض الارتباط بأيّ رجل في حال تعرّضت للتحرّش من قبل رجل، فتبتعد عن الزواج وتتجنّب بناء العلاقات مع أشخاص من الجنس الآخر.

تروي لينا (30 عاماً) لـ”الجمهورية”، وقد تحرّش بها جار العائلة وهي في الثالثة من العمر عبر لمس مناطقها الحسّاسة، أنها لا زالت تحتفظ بهذا السرّ، فحتّى عائلتها لا تدركه على رغم معرفتهم الوطيدة بالمتحرّش.

وتؤكّد: “لم أتمكن من إقامة علاقة عاطفية مع رجل في حياتي. ولازلت حتّى اللحظة لا أرحّب في أن يلمسني أحدهم، بل تظهر عليّ لا شعورياً مظاهر الانفعال والارتباك والخوف”.

وتشرح: “ربّما ليس شبح المتحرّش وحده السبب، بل تُضاف إليه خيانة والدي لوالدتي على مرّ سنوات، وتعرّفي الى أكثر من رجل خيّب آمالي منذ اللقاءات الأولى. فقد ساعدتني تجربتي هذه على استيعاب أنّ هؤلاء الرجال لا يأبهون لشيء غير لذتهم الجنسية، أمّا شعور المرأة والآلام التي يسبّبها سعيهم الدائم وراء تلبية ملذاتهم، فلا يهمّهم”.

العلاج


تلفت نادر إلى أنّ “العلاج النفسي للمرأة المغتصبة أو الضحية لاعتداء جنسي في طفولتها متاح، إلّا أنّ فاعليته تقف عند حدّ تخفيف آثاره على حياتها، دون التمكّن من إلغاء التداعيات بالكامل ومحوها”. وتشير إلى أنّ “العلاج يساعدها على استكمال حياتها بشكل طبيعي، وإعادة بناء احترامها لنفسها وثقتها بقدراتها، كما يحسّن وضعها النفسي والاجتماعي”.

وفي حين توجد أنواع مختلفة للعلاج تتحدّث نادر عن طريقة فعّالة تكمن في العودة إلى ماضي الضحية، إلى اليوم الذي شهد هذه الحادثة، من أجل استرجاع كلّ تفاصيله والمراحل التي مرّت بها هذه المرأة في حياتها. وتوضح: “ذاكرة هذه الراشدة قمعت الذكريات القاسية وكبتتها منعاً لتذكّر ما هو مؤلم بالنسبة لها”.

وتلفت إلى أنّ “مجرّد جلب هذه الأحداث إلى وعي الفتاة من خلال أسئلة معيّنة نطرحها عليها، وجراء استعراض الأحلام التي تراودها، وغيرها من الطرق التي تساعد على اكتشافها أحداث هذا اليوم من جديد، تبدأ عوارض هذا الحدث الأليم في طفولتها بالإنحسار، ما يساعدها على التصالح مع نفسها ومع ماضيها”. علماً أنّ العلاج يرتكز أيضاً على العمل على إحساسها، فيجب أن تدرك أنها لم ترتكب خطأً، فلا تعاقب نفسها جراء ما حدث في ماضيها.

(الجمهورية)