يبدو الأسبوع الأخير من شهر رمضان حافلاً بمزيدٍ من المحطات السجالية الحادّة في لبنان، بما يعكس اشتداد أزماتِ هذا البلد واتجاهاتها المرتبطة بعُقْم أيّ رهانٍ على انفراجاتٍ سياسية قريبة.

ومع ان هذا المناخ لا يفاجئ أياً من المتابعين لتطوّرات الواقع الداخلي، فان العيّنة السجالية الأخيرة بين زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أبرزت مزيداً من مؤشراتِ محاصرةِ لبنان بتداعياتِ ربْط واقعه قسْراً بالحرب السورية، بما يُبقي البابَ موصداً على أيّ تبديلٍ للستاتيكو الراهن كأقصى حدٍّ في سياق الاحتمالات الممكنة للوضع اللبناني.

ذلك أن مصادر بارزة في قوى 14 آذار أبدت عبر «الراي» اعتقادها أن ذهاب السيد نصرالله في خطابه الأخير أبعد من أيّ مرةٍ سابقة في الاعتراف المتعمّد بالتمويل الايراني لـ «حزب الله» مثلما تعمّد كشْف عدد قتلى الحزب في حلب ليعلن بعده المضي في الحرب السورية بلا تَراجُع، إنما يكشف في رأيها عمق أزمة الحزب نفسه الذي اضطر الى إظهار سلاح استقوائه بإيران، من اجل طمأنة جماهيره المثخنة بارتفاع مضطرد في أكلاف تورّط الحزب في الحروب والنزاعات الاقليمية الواسعة.

وتعتبر هذه المصادر ان «خطاب تثبيت الولاء المطلق لإيران» كما وصفتْه، لا يمكن معه تَوقُّع اتجاه الحزب الى أيّ أمرٍ من شأنه ان يبدّل في أزمات الداخل اللبناني ما دام السيد نصرالله رفَع امام الرأي العام المحلي والخارجي لافتةً ضخمةً عنوانها تحكيم الاولويات الإيرانية اولاً وأخيراً قبل أيّ أولوية لبنانية ومهما كلّف الأمر. ومن هنا اكتسب ردّ الرئيس سعد الحريري على كلمة نصرالله ومن طرابلس بالذات مساء أول من أمس دلالاتٍ متقدّمة ليس من حيث مضمون الردّ فحسب بل ايضاً من حيث الشكل والمكان والظروف التي يعمل الحريري بدأبٍ واضحٍ على إعادة تصويبها منذ الاول من رمضان.

ذلك ان الحريري كما تقول المصادر بدا كأكثر القادة السياسيين اللبنانيين استيعاباً لدروس الانتخابات البلدية الأخيرة وراح يعلي الصوت بشكلٍ غير معتاد في لبنان بمسؤوليته عن الخلل الواسع الذي كشفتْه الانتخابات الأخيرة في صفوف تياره. وهو في جولاته على مختلف المناطق التي يقيم فيها إفطارات ويعقد لقاءاتٍ واسعة يهيئ فيها تياره لـ «نفضة» تنظيمية جذرية، إنما يرسل ايضاً وأساساً رسالة الردّ الى كل المراهنين على انهيار «تيار المستقبل»، وفي مقدم هؤلاء «حزب الله»، كإحدى الوسائل الأساسية لإسقاط الرهان على انهيار التوازن الداخلي لمصلحة الحزب. ورغم اعتراف المصادر بالصعوبات الكبيرة التي تواجه الحريري في الأهداف التي حدّدها لنفسه وتياره، فإنها تلفت الى ان نتائج مهمة جداً حققها حتى الآن من خلال إصراره على الحضور الشخصي المباشر والإشراف المباشر على ورشة استنهاض تياره في مناطق معروفة بالولاء القوي للحريرية السياسية وتعرّضت لانتكاسات جراء الانتخابات البلدية وعوامل التهميش سابقاً. ولذا يكتسب الواقع الداخلي دلالات مفصلية وسط هذا الصراع «الناعم» التصاعدي، وهو أمر ستترجمه على الأرجح المحطات المقبلة في ما تبقى من شهر رمضان، حيث يُنتظر ان تكون للحريري إطلالات اضافية كما ان نصرالله سيطلّ الجمعة المقبل في خطابٍ جديدٍ لمناسبة يوم القدس العالمي.

وكان الحريري ردّ بعنف على الخطاب الأخير للامين العام لـ «حزب الله» من طرابلس التي أمضى فيها ثلاثة ايام ففنّد هذا الخطاب ولا سيما قول نصر الله ان أموال الحزب ومعاشاته وصواريخه «تأتي من خزانة الحرس الثوري الايراني»، معتبراً انه بهذا «يعترف بأنه حزب ايراني بامتياز وبأنه استثمار للمشروع الإيراني السياسي والديني والعسكري، وهذه مضبطة اتهامية بالدرجة الاولى يعترف عبرها بالفم الملآن انه ينفذ أوامر دولة خارجية».

وشنّ أعنف هجوم على ايران متّهماً اياها بأنها «تموّل حزب الله في لبنان، وتموّل الحشد الشعبي في العراق، وتموّل الحوثيين في اليمن وتموّل المعارضة في البحرين وتموّل قتْل الأبرياء في سورية، وتموّل عمليات التفجير في الكويت وتموّل أدوات الفوضى في القطيف وتموّل مجموعات مذهبية في السودان ومصر والجزائر. يعني بكل بساطة، إيران تمول الفتنة في العالم العربي».

وانتقد بعنف مَن وصفهم «أتباع قاسم سليماني في لبنان الذين يهددون البحرين بحرب تستدعي الفتن في نموذج للغرور والاستعلاء الايراني». وقال: «لا توجد ساحة عربية واحدة تسللت إليها إيران، سواء عن طريق المال أو الأحزاب أو رجال الدين أو الحرس الثوري، إلا ونالت نصيبها من الإنشقاق والفتن والصراعات المذهبية. ونحن في لبنان مطالَبون، بأن نحمي بلدنا وعيشنا المشترك من هذه البلوى الإيرانية، ولن نكون جزءاً مما يطلقه قاسم سليماني في المنطقة»، داعياً من يعنيهم الأمر في لبنان إلى «الكف عن صب الزيت على نار الفتن والتوقف عن السياسات العمياء بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة وقطع دابر الكراهية التي يستهدفون بها المملكة العربية السعودية». ورداً على تهديدات سليماني بحرب فتنوية في البحرين، شدد على كون «هذا النموذج من الغرور والاستعلاء لن يؤدي لغير تصاعد موجات العداء بين العرب وإيران»، مع التأكيد في الوقت عينه على أنّ لبنان لن يكون «صدى لما يقرّره سليماني».

وتعليقاً على الكلام الذي أدلى به نصرالله خلال «حفل التفخيم بمصطفى بدر الدين ودوره في حروب سورية والعراق والمجازر القائمة ضد الشعوب العربية»، لفت إلى أنّ «كل البطولات المنسوبة إلى بدر الدين تصبح في سجلّ التاريخ صفراً مكعباً لأنّ دوره محصور بالنسبة لنا بأنه شخص متهَم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».