حتى الأسبوع الماضي، كان ما يُميز الشاب سامي الجميل عن أقرانه من ورثة المناصب السياسية، قُدرته على النطق بشكل طبيعي، وعدم ارتكابه أخطاء فادحة. وهذان إنجازان عظيمان في عالم ورثة الزعامات اللبنانية. لكنهما غير كافيين لمقارعة الثنائية المسيحية، على الأقل ريثما يتسلم الورثة مقاليد الزعامة بشكل كامل في الحزبين المسيحيين الرئيسيين.

إلا أن سامي يُفكر أكبر وأبعد من ذلك. يُريد أن يكون زعيماً وطنياً، على هيئة رئيس جمهورية ربما، لكنه أيضاً يبذل جهداً لتمجيد ماضي “الكتائب” في الحرب، ويحمل لواء اللامركزية حالياً، كما الفيديرالية قبله.

هو مكافح للفساد ومعارض للطبقة السياسية، لكنه فاز في الانتخابات النيابية عام 2009، متحالفاً مع وزير داخلية عهد الوصاية السوري النائب ميشال المر الذي يُرجح بقاؤه حليفاً للعائلة و”الكتائب” في ظل التحالف القواتي-العوني. كان سامي الجميّل مؤيداً لحراك الصيف الماضي ضد الحكومة، ومشاركاً فيها بـ3 وزراء في آن. الواقع يدل على سلوك سياسي يُشبه ما أفرزته الطبقة السياسية اللبنانية منذ نهاية الحرب. في مقابله، وعلى نقيض منه، خطاب متمرد للجميل الإبن يسعى جاهداً من خلاله لتمييز نفسه. لكن هذا ليس تناقضاً فحسب، بدليل قراره الأخير بسحب وزراء “الكتائب” الثلاثة من الحكومة، إذ استجاب واحد منهم فقط. وهذا يُرجّح أن للهوة بين سامي من جهة والسياسة الكتائبية من جهة ثانية، تفسيراً واحداً: الرئيس السابق أمين الجميل.

من سمات عملية التوريث السياسي أن الوالد (أو الوالدة في حالتي ميشال معوض ونديم الجميل) يُدرّب ولده سياسياً في المرحلة الانتقالية. وهذه الرعاية تتحول إشرافاً قد تصير وصاية لا قيوداً زمنية عليها. إذا كان الاستقلال من الآباء والأمهات في الحياة الطبيعية، يتطلب تحقيقه انفصالاً أو تمرداً من الأبناء، فكيف لو ارتبط بتوريث منصب أو زعامة سياسية؟ هل ورث الوزير السابق الياس المر والده بشكل كامل بعد مضي 16 عاماً على تسلمه وزارة الداخلية من الثاني؟

من الصعب تخيل أن التوريث سيكون كاملاً. بل بالعكس، فإن المُتخيل في العلاقة بين السياسيين وورثتهم (البيولوجيين أو بالتزاوج: زوجة أو صُهر)، هو إما خضوع كامل، أقله في المرحلة الأولى للتوريث، أو معارك استقلال مشحونة بالعواطف. هكذا تصير عبارات مثل “ماما اتركيني قرر وحدي” أو “متى أتخذ قراراتي يا بابا؟” أو “ما رأيك بهذا القرار يا عمي؟”، وازنة في تقرير مسارات السياسة اللبنانية، تماماً كعدم الرد على الاتصالات الهاتفية للأهل، وتدخل أفراد العائلة للتوسط بين الوريث السياسي ووالده أو والدته. 

لكن في قضية سامي الجميل تحديداً، فإن الرهانات أكبر وأوسع من دائرة العائلة. بالنسبة لزعماء الطوائف، يُمثل سامي النموذج الأمثل لعملية التوريث الناجحة، ومن مصلحتهم الحفاظ عليها. 

وُلد سامي عام 1980، أي بعد اندلاع الحرب الأهلية بخمس سنوات، ودخل البرلمان في الـ28 من عمره، وصار رئيساً لحزب “الكتائب” في الـ34. واستطاع في هذا المدة القصيرة خلق شعبية وحيثية له منفصلة عن والده، وبخاصة بين الشباب. ولو نحينا “حزب الله” جانباً، فإن هناك إعجاباً من أركان الطبقة السياسية اللبنانية بهذا الشاب، عبروا عنه في أكثر من مناسبة. يُراقبونه بدقة، سيما فريقه الشاب وخطابه ضد الطبقة السياسية، وحملته على الفساد. وهذا الخطاب “الثوري”، مرفقاً بالحملة على الفساد والطبقة السياسية، استهوى أيضاً وزير الخارجية جبران باسيل الذي تظاهر ضد الحكومة وهو داخلها. وهناك مؤشرات على أن تيمور جنبلاط سيدخل السياسة من باب مكافحة الفساد ورفض الطبقة السياسية أيضاً. 

قد تكون هذه السياسات والتصريحات عصية على التفسير، وتتناقض مع الواقع. نحن أمام ورثة يبحثون عن أصواتهم، ويجهدون لإقناعنا بأن هناك جديداً ومختلفاً عن قديم يحملون أسماءه وجيناته وربما قِيمه.

إنها “ثورة” ضد الطبقة السياسية، لكن برعايتها وبقيادة أبنائها.     مهند الحاج علي