اشتعلت الحرب بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و“حزب الله” على خلفية الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي بإقفال حسابات في المصارف اللبنانية بالعملات الأجنبية، (قيل إن عدد هذه الحسابات تجاوز المئة حتى الآن)، بعد اتهام أصحابها بالحصول على أموالهم بطرق غير مشروعة، وذلك تنفيذاً لقانون أميركي يفرض على المؤسسات المالية الدولية المساهمة في تجفيف مصادر تمويل المنظمات التي تصنفها الولايات المتحدة “إرهابية”.

وفوجئ كثيرون باللغة المستخدمة من جانب الطرفين. رياض سلامة قال في حديثه إلى محطة “سي إن بي سي”، الذي أشعل المواجهة الأخيرة: “لا نريد أموالاً غير مشروعة في نظامنا المصرفي. كما لا نريد أن يكون بضعة لبنانيين السبب في تسميم صورة لبنان وتشويهها في الأسواق المالية العالمية”. واستنتج “حزب الله” من هذه التصريحات أن سلامة “متآمر” على الحزب، ومواقفه “مريبة وملتبسة”، أولاً لاتهامه أعضاء ومناصرين للحزب بالتعامل مع أموال “غير مشروعة”، وهي تهمة تطاول الصورة “الأخلاقية” التي يريد الحزب أن يقدمها عن نفسه وعن قياداته وكوادره إلى جمهوره ومناصريه. فهؤلاء هم “أشرف الناس”، وبهذه الصفة لا يصحّ اتهامهم بأي سلوك “غير مشروع”. وثانياً لاعتبار سلامة أن مناصري الحزب الذين تطاولهم الإجراءات المصرفية هم “بضعة لبنانيين”، وهو كذلك ما لا يرضاه الحزب الذي يفاخر بجمهوره الواسع، والذي يتجاوز في نظر الحزب الطائفة الشيعية التي يناصره أكثر أفرادها، إلى طوائف أخرى.

أما الحزب فردّ على سلامة من خلال موقف لكتلته النيابية ومقالات وتعليقات في وسائل إعلامه وتلك المؤيدة له، وبلغ الرد مستوى التهديد من “كتلة الوفاء للمقاومة” التي قالت إن “جمهور المقاومة ومؤسساته عصية على محاولات النيل منها من أي كان مهما علا شأنه”. وبلغ الأمر حد تهديد سلامة بأن حظوظه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية أصبحت معدومة، (مع أن الرجل نفى في أكثر من مناسبة أنه مرشح لهذا المنصب)، وكذلك فرص التجديد له كحاكم للمصرف المركزي. كما صدرت دعوات مثيرة للقلق، إذا تحققت عملياً، إلى التظاهر أمام فروع المصارف التي تطبّق الإجرءات ومنع موظفيها من دخولها لممارسة أعمالهم وخدمة زبائنهم.

الغريب في هذه المعركة المالية، أو “المقاومة النقدية” كما يسميها “حزب الله”، أنها تطاول شخصية لبنانية تحظى بإجماع على كفاءتها وسمعتها الطيبة، في إدارة الشأن المالي والاقتصادي، وإنقاذه من الانهيار الذي أصاب المؤسسات الأخرى في لبنان. وبهذا المعنى فإن الحزب يخاطر بتأليب قطاع واسع من اللبنانيين عليه، انطلاقاً من حرص هؤلاء على سلامة الوضع المالي الذي يحافظ عليه مصرف لبنان، على رغم المديونية المرتفعة التي يعاني منها البلد والتي تجاوزت 75 بليون دولار.

أما الأكثر غرابة في هذه المواجهة فهو الضجة المثارة حول ودائع كان يُفترض أنها غير موجودة، كما سبق أن أكد قادة “حزب الله” في معرض نفيهم أن تكون لهم أي أموال في المصارف اللبنانية. الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قال مرة في أحد خطبه (في كانون الأول – ديسمبر الماضي): “الأميركيون يضغطون على المصارف اللبنانية والبنك المركزي لاتخاذ إجراءات سلبية بحقنا. نحن ليس لدينا أموال في المصارف اللبنانية لا سابقاً ولا حالياً وليس لدينا أموال نودعها في البنوك، ولا داعي عند البنك المركزي أو مديري المصارف أن يصيبهم هلع. ذكرت في أكثر من مناسبة أنه ليس لدينا أعمال استثمارية، ولسنا شركاء مع شركات أو تجار، نحن ننفق المال على مقاومتنا وعوائل شهدائنا وجرحانا، وليس لدينا فلس واحد نتاجر به أو نضعه عند أحد”.

إذا كان الأمر كذلك حقاً فلماذا قلق “حزب الله” وخشيته من الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان، خصوصاً أن هذه الإجراءات لا تطاول سوى الودائع والتحويلات الجارية بالعملات الأجنبية، ما يعني أن حسابات وزيري الحزب ونوابه وسائر أعضائه ومناصريه، المودعة بالعملة اللبنانية، هي في منأى عن أي مراقبة أو محاسبة؟

أم هي محاولة لفرض الهيمنة على آخر مؤسسة لبنانية لا تزال قادرة على العمل باستقلال عن ضغوط الحزب، الذي نجح في الهيمنة على كل المؤسسات الأخرى؟

الياس حرفوش