على وقع النداءات التي وجَّهتها موسكو إلى واشنطن لتنسيق العمليات العسكرية ضد «داعش» ومثيلاتها في سوريا، جاءت زيارة بنيامين نتنياهو الى موسكو لتُوحي بنوع من التحدي الروسي لواشنطن التي رفضت مضمون هذه النداءات، خصوصاً أنّ ما تمّ التوصل اليه بين إسرائيل وروسيا في شأن الملف السوري جاء متقدماً وصاعقاً. كيف يمكن تفسير هذه المعادلة الجديدة؟

نالت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الى موسكو اهتماماً لافتاً في الشكل والمضمون الى درجة لم تكن متوقّعة في الكثير من الدوائر الديبلوماسية العربية والغربية.

وزاد من أهميّتها حَجم المواقف التي رافقتها وتلتها وتحديداً ما جرى التفاهم عليه في ملفّي سوريا والقضية الفلسطينية، عدا عن حجم الإتفاقات التي عُقدت بين البلدين في المجالات النفطية والإقتصادية والعسكرية والأمنية وصولاً الى استعادة اليهود الإسرائيليين تعويضاتهم التي فقدوها بمجرّد خروجهم المنظم من روسيا الى اسرائيل، وهو مطلب تاريخي يعود لعقود سابقة من الزمن.

قبل أن تتكشّف الحقائق التي سرّبتها موسكو وتل أبيب عن نتائج الزيارة بالتقسيط المريح بعد ساعات قليلة على عودة نتنياهو الى إسرائيل، كانت الأسئلة تتزاحم حول اهمية الزيارة الثالثة لنتنياهو الى موسكو منذ اندلاع الأزمة السورية وتطوّر الدور الروسي فيها الى حدود المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية، حتى قلبت الموازين بهدف حماية النظام أولاً بعدما كان آيلاً الى السقوط في فترة وجيزة قبل استعادة الروس بعض المناطق الإستراتيجية التي هدّدت الساحل السوري أو ما بات يُعرف بـ«سوريا المفيدة».

والى هذه الحقائق التي تحوّلت أمراً واقعاً جديداً، توسّعت التقارير الديبلوماسية التي وردت من موسكو لتعترف أنّ جانباً منها كان بهدف تقويم «عملية السوخوي» التي نفّذتها القوات الروسية في سوريا إيجاباً على كلّ المستويات العسكرية والإستراتيجية من وجهتي نظر البلدين، ولكلّ منهما أسبابه التي لا تلتقي في الكثير ما يعني السوريين ودول الجوار السوري العربية.

ففي تقرير ديبلوماسي ورد من موسكو في الساعات التي تلت زيارة نتنياهو، جاء أنّ الرئيس الروسي شجّع على الزيارة ومهّد لها بما يعكس نيّته إبراز قدرة موسكو على المبادرة العسكرية مجدداً في سوريا، ما لم تتعاون الولايات المتحدة الأميركية معها لتنسيق العمليات العسكرية.

وهو ما فسّره التقرير شكلاً من أشكال التحدي مع واشنطن ترجمته النية الروسية بتعزيز كلّ اشكال التعاون والتنسيق مع تل أبيب، وهو ما عبّرت عنه الزيارة في توقيتها الدقيق ومضمون البيانات المشتركة التي تناولت الملف السوري بما فيها الإشارة الى وقف النار ومستقبل الوضع في سوريا.

عدا عمّا فُسّرت مبادرته الى إهداء إسرائيل الدبابة الإسرائيلية التي غنمها الجيش السوري من معركة «السلطان يعقوب» في 10 حزيران 1982 إبّان الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان من إهانة بحق الشعب السوري تحديداً، وتجاوباً مع حلم استعادة إسرائيل لهذه الدبابة لما تعنيه بالنسبة اليها وهي التي فقدت كلّ أثر للعسكريين اليهود الذين كانوا على متنها.

وقال التقرير إنّ أهمّ ما في الزيارة أنها اعطيت أبعاداً تجاوزت الحديث الثنائي بين الرجلين عن المواجهة المفتوحة مع الإرهاب إلى سبل تعزيز كلّ اشكال التعاون بين بلديهما لمنع أيّ صدام بين القوتين في الجو، وذلك بعدما تقاربت خطوط استخدام طائرات الطرفين للأجواء السورية واللبنانية وما يمكن تسميته بتقاسم هذه الخطوط، نظراً الى المهمات التي نفّذتها القوّتان، علماً أنّ للطرفين أهدافاً متناقضة تتقاطع عند إصرار إسرائيل على ضرب «حزب الله» ومنع رفع مستوى جهوزيته العسكرية، وهو الحليف النموذجي للنظام في سوريا والقوة الروسية التي مهّدت لوحدات الحزب شنّ عمليات عسكرية غيّرت من موازين القوى في عدد من المناطق السورية.

ويتضمّن التقرير جوانب كثيرة لافتة في الزيارة ويتوسّع للإشارة الى نوع من السباق بين موسكو وواشنطن لضرب «داعش»، ويُراهن الطرفان في سباقهما على قوى سوريّة متعارضة، كردية وأخرى حليفة لواشنطن، وأخرى موالية للنظام وإيران حليفة لموسكو، وهي قوى تخوض مواجهات في مناطق جغرافية متقاربة في الشمال السوري تكاد تلامس بعضها بعضاً.

وينتهي التقرير الى ضرورة انتظار النتائج المترتبة على اللقاء الذي ستستضيفه طهران في الساعات المقبلة على مستوى وزراء دفاع روسيا وسوريا وايران، ليتبيّن بوضوح ما تضمره موسكو من هذا اللقاء الذي سيناقش نتائج زيارة الوفد الإسرائيلي اليها في جانب من جوانب جدول أعماله، وطمأنة إيران الى عدم وجود أيّ تفاهم روسي - أميركي تحت الطاولة.

ولتظهر الصورة أوضح على مستوى النية الروسية بالمواجهة المفتوحة ديبلوماسياً وعسكرياً مع واشنطن، على مَن يترقب النتائج أن ينتظر تطورات الساعات المقبلة ولمقارنتها مع ما سيتقرّر من خطوات عملية على الأرض تستعد موسكو وحلفاؤها للقيام بها.

 

 

الجمهورية: جورج شاهين