لم يكن توقع استمرار علي لاريجاني في منصب رئاسة البرلمان الإيراني للمرة الثالثة على التوالي خاطئا؛ للدعم الذي يحظى به من المرشد الأعلى علي خامنئي وقادة الحرس الثوري وموقع أسرته التي تعتبر بين الأكثرا نفوذا في إيران.

 

بدأ مشوار علي لاريجاني مع تأسيس المكتب السياسي للحرس الثوري، وشغل لاريجاني، على مدى عشرة أعوام، منصب المساعد السياسي لقائد الحرس الثوري وحتى بداية التسعينات. وشهدت إيران خلال سنوات الحرب تطورات كثيرة، منها صعود خامنئي مرشدا أعلى ثانيا في تاريخ إيران.

وكان لاريجاني أبرز قادة الحرس الثوري الذين دخلوا تدريجيا إلى الساحة السياسية وتولي مناصب رئيسية في دوائر صنع القرار. ومن بين أهم المناصب التي شغلها لاريجاني رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون التي عادة ما يكون للحرس الثوري نصيب الأسد في غرفها القيادية.

خلال السنوات العشر الأخيرة عزز إخوة لاريجاني الخمسة موقعهم السياسي، ففي البرلمان أصبح علي لاريجاني رئيسا، وبمباركة من المرشد الأعلى يتولى صادق لاريجاني رئاسة السلطة القضائية ثالث أهم منصب بعد رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، وتعيين صادق لاريجاني بأوامر مباشرة من خامنئي لعب أثرا بالغا في تمدد هذا الأسرة وبسط نفوذها السياسي في إيران.

خلال السنوات الماضية قام صادق لاريجاني بتوقيع عدد كبير من الإعدامات وأحكام السجون وتعامل بشكل تعسفي مع المعارضين السياسيين وبحسب المراقبين، فإنه من خلال تنكيله بالمعارضين لخامنئي يقدم أوراق اعتماده للحرس الثوري ودوائر صنع القرار والمؤسسة الدينية بوصفه أحد المرشحين لمنصب ولي الفقيه وخلافة خامنئي.

بدوره علي لاريجاني الملقب بـ"وزير الحرب" في أروقة السياسة الإيرانيةح بسبب ميوله للنزاع والحرب تحت تأثير وجوده لسنوات في منصب المساعد السياسي بالحرس الثوري.

قام بإدارة عسكرية في جميع المناصب التي شغلها كما أنه حمل فريقه السياسي من الحرس الثوري إلى كل الدوائر التي ترأس مسؤوليتها.

ومنذ توليه منصب ولي الفقيه اختار خامنئي، علي لاريجاني ممثلا له في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى أن شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في 2004، وبقى في المنصب حتى تقديم استقالته بعد 26 شهرا على توليه المنصب.

لعب لاريجاني دورا أساسيا في التفاهم الإيراني الأميركي بين سنوات 2001 و2006 في الملفين العراقي والأفغاني، كما أنه كان المسؤول الأول عن الملف العراقي في إيران بعد 2003، وهو ما أشاد به قائد فيلق "القدس" قاسم سليماني قبل انتخابات شباط؛ بسبب دوره في دعم وتمويل النشاط الخارجي للحرس الثوري.

قبل ذلك تولى لاريجاني منصب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون لفترة عشر سنوات وخلالها يعد دفاع لاريجاني من سلسلة اغتيالات والإعدامات التي طالت مئات المثقفين والسياسيين من النقاط السوداء في سجل رئاسته.

كما أن في فترة الإصلاحات التي تزامنت مع رئاسة محمد خاتمي يصنف لاريجاني بين الأكثر عداء للجماعة الإصلاحية وأحد أعضاء غرفة العلميات الحرس الثوري التي كانت تستهدف تضعيف دور خاتمي.

في 2005 ترشح لاريجاني للانتخابات الرئاسية واحتل الرتبة السادسة بين سبعة مرشحين خاضوا الانتخابات ولم تحظ حملة لاريجاني بدعم الشارع الإيراني آنذاك؛ بسبب صلته بالحرس الثوري والمرشد الأعلى.

وقد تزامنت رئاسة لاريجاني للبرلمان على مدى السنوات الثماني الماضية مع فترة عاصفة من تاريخ النظام الإيراني، ولعب لاريجاني دورا كبيرا في دعم قمع الشارع الإيراني بعد أحداث 2009 من خلال إدارته لجنة التحقيق التي تسترت على كثير من تجاوزات القوات الأمنية الإيرانية في قمع المتظاهرين.

ولد لاريجاني في الثاني من كانون الثاني 1957 في النجف، وهو نجل مرجع شيعي مغمور من منطقة مازنداران شمال إيران يدعى ميرزا هاشم آملي.

علاقة لاريجاني مع الرئيس الحالي بسبب وجودهما سابقا في المجلس الأعلى للأمن القومي علاقة ودية بسبب المصالح المشتركة التي ربطتهما على الرغم من بعض الخلافات الظاهرية والصورة التي يقدمها روحاني عن نفسه.

شهدت فترة رئاسة أحمدي نجاد الثانية بين 2009 إلى 2013 مواجهة خاصة بين لاريجاني وأحمدي نجاد؛ إذ إن أحمدي نجاد كان السبب الرئيسي في تقديم استقالة لاريجاني من منصبه في المجلس الأعلى للأمن القومي، وشهدت الدوائر الإيرانية بين عامي 2005 و2006 صراعا كبيرا على إدارة الملف النووي، واتهم نجاد لاريجاني بالضعف في إدارة الملف، بينما كانت جهة ثالثة المتمثلة بمجلس تشخيص مصلحة النظام برئاسة رفسنجاني تخطط لخطف الملف النووي وإدارته.

من جانب آخر كانت السمة البارزة في مواجهة رئيس السلطة التنفيذية (أحمدي نجاد)، ورئيس السلطة التشريعية (لاريجاني) النبرة العدوانية والمصطلحات السوقية المتبادلة بينهما في الخطابات، خاصة عندما بث فريق أحمدي نجاد شريط فيديو مصورا من حديث بين شقيق لاريجاني الأصغر باقر، وبين القاضي المقرب من أحمدي نجاد سعيد مرتضوي، المتورط في إصدار قرار قتل المتظاهرين في 2009، وكانت اللقطات المصورة تظهر اقتراح شقيق لاريجاني مبالغ مالية ضخمة للاستثمار في مؤسسة التأمين الاجتماعي التي تورط فيها رئيسها آنذاك سعيد مرتضوي ومسؤولون فيها بملفات اقتصادية كبيرة.

(الشرق الاوسط)