علّق أحد أبرز المسؤولين النافذين في تجمع لغالبية المنظمات اليهودية الأميركية على اعتقادي أن سوريا ستدخل مرحلة تقسيم واقعي لمدة طويلة قبل وصولها الى حلّ نهائي لأزمتها، قال: "على كلٍ لم يعد أحد قادراً على معرفة حدود المناطق. لقد انمحت الحدود بينها كما بين عدد من الدول، لكن في رأيي لا بد أن تقوم كل أقلية في البلد الذي تعيش فيه بترتيب أوضاعها جيداً وبالتعاون في ما بينها للمحافظة على وجودها وكيانها. ماذا عن الدروز؟". سأل. أجبت: أصبحوا أقلية صغيرة. وربما يكون دورهم كطائفة أو كجماعة معرّضاً للضعف، علماً أنه في سوريا ضعُف من زمان. في لبنان وقفوا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه ضد ايران وسوريا الأسد. لكن بعد عملية 7 أيار 2008 في بيروت (شرحت ما حصل فيها ودوافعها) التي قام بها "حزب الله" والتي تخللتها اشتباكات بينه وبين الدروز في منطقتين ساحلية وجبلية، اتخذ الزعيم الدرزي اللبناني الأبرز وليد جنبلاط قراراً بعدم الإنجرار الى حرب مذهبية مع "الحزب" اقتناعاً منه بأن غياب التكافؤ في العدد والسلاح والتدريب والمقاتلين معه من شأنه تعريض الدروز الى خسارة كبيرة، قد تكون شبيهة بالخسارة التي ألحقوها هم بمسيحيي الجبل في أثناء الحروب الأهلية والمذهبية. ثم اتخذ قراراً آخر بتحسين العلاقة مع "الحزب" مع الاحتفاظ بحق انتقاده وحلفائه، وبقي على قرار عدم مهادنة سوريا بشار الأسد. سأل ثانية: "ولماذا تمسّك بقرار معاداة بشار الأسد؟". أجبت: لأنه والدروز عموماً يعتبرون أن سوريا ووالده الراحل حافظ الأسد، كانت وراء اغتيال والده الزعيم الدرزي الأكثر أهمية لبنانياً وعربياً بعد سلطان باشا الأطرش زعيم الثورة السورية، بل مطلقها ضد الانتداب الفرنسي بعد سنوات قليلة من فرضه على سوريا ولبنان. سأل ثالثة: "هل لا يزال شيعة لبنان مع "حزب الله"؟ وأليس هناك معتدلون بينهم؟" أجبت: طبعاً هناك معتدلون. لكن الصراع الدائر في المنطقة اليوم ورغم الأسباب المباشرة له صار صراعاً مذهبياً أي سنياً - شيعياً. والشيعة في مشرقنا العربي أقلية، علماً أنهم كذلك في العالم الإسلامي كله. ولذلك فإنهم يشعرون بخطر على وجودهم ودورهم. وهذا أمر يدفعهم أو يدفع أكثريتهم الى التضامن والالتفاف حول القوة الأكثر تنظيماً فيهم وهي "حزب الله". ويستوي في ذلك الموالي لإيران والمخاصم لها، والمؤمن بولاية الفقيه التي يتبناها "الحزب" أو الرافض لها، والممارس نمط حياة إسلامي – شيعي أو الممارس نمط حياة غربي.
بعد ذلك دار مع أحد أبرز المسؤولين نفسه في تجمّع لغالبية المنظمات اليهودية الأميركية حديث عن إيران وأوضاعها، وخصوصاً بعد الاتفاق النووي الذي أعادها أو يفترض أن يعيدها الى المجتمع الدولي. شرحت خلاله رأيي في هذا الموضوع (نشر في أكثر من "موقف"، عن رحلة أميركا)، ثم قلت: ربما يحتاج الإيرانيون الى وقت للاستدارة من موقع العداء المطلق للشيطان الأكبر أميركا والغرب عموماً. لذلك أعتقد أن تطبيع العلاقة معها يحتاج الى جهد من طرفكم وآخر من طرف إيران. إذ عليها هي أن تبدأ في البحث معكم في القضايا الإقليمية الخلافية وأن تُظهر عملياً تخليها عن مشروعها القومي – المذهبي الذي كان أحد أسباب ما يحصل في المنطقة منذ "الربيع العربي". وعليكم أنتم أن تساعدوها لكي تستطيع العودة الى المجتمع الدولي بسلام، وتالياً لكي تحقق منها الفوائد التي تأمل فيها. سأل: "كيف؟ وماذا تقترح لذلك؟". أجبت: وصلت قبل الموعد الذي حددته لي. فشربت فنجان قهوة بالقرب من مقرّك. وقرأت بواسطة الهاتف بعض المقابلات والتصريحات كان أحدها إيرانياً يتهم أميركا بتعطيل استفادتها من تنفيذ الاتفاق النووي، وخصوصاً في مجال التعامل مع البنوك الغربية. إذ لا تتجرأ هذه الأخيرة على ذلك خوفاً من عقوباتكم الضخمة. طبعاً خوف البنوك مشروع لأنها دفعت ثمن هذه العقوبات المفروضة على إيران. وهي الآن تخاف أن تدفع ثمناً مماثلاً بعد رفع قسم من العقوبات. ذلك أن التعامل سيكون مع مصارف إيران التي خرقت العقوبات والتي ربما تعرّض البنوك الغربية وغيرها لعقوبات جديدة، ما أريد قوله أن نظام إيران المصرفي في حاجة الى تحديث لكي يتلاءم مع النظام المصرفي الدولي – العالمي. أنتم (أميركا) من يستطيع تحديثه. بادروا الى عرض خدماتكم في هذا المجال ونفّذوا "سياسة الخطوة خطوة" التي وضعها هنري كيسينجر ونفّذها في النصف الثاني من القرن الماضي. بماذا علّق؟