نشطت بالتزامن مع اشتعال المعارك في محيط مدينة الفلّوجة العراقية التحاليل الباحثة في دوافع وأبعاد إطلاق المعركة في هذه الفترة بالذات، ومدى ارتباط ذلك بالأزمة السياسية والأمنية الحادّة والتي وصلت حدّ تعطّل مؤسسات الدولة من برلمان ومجلس وزراء، مشكّلة أكبر تحدّ لحكم الأحزاب الشيعية منذ تسلّمها السلطة بعد سنة 2003.

كما أصبحت تشكل تهديدا مباشرا لموقع حيدر العبادي على رأس الحكومة، والذي بات مستهدفا من القوى المطالبة بالإصلاح التي ترى فيه عائقا أمام تحقيق مطالبها، ومن أبناء عائلته السياسية الذين يتهمونه بالضعف ويرون فيه خطرا على مناصبهم ومكاسبهم ومواقعهم في قيادة البلاد.

وبإصراره على تقديم موعد معركة الفلوّجة، على معركة الموصل، خالف العبادي توجها للولايات المتحدة عبرت عنه بشكل صريح على لسان المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن حين قال إنّ “الهجوم على الفلوجة غير وارد حاليا، وأن الأولوية ليست لهذه المدينة لأنها لا تمثل بعدا استراتيجيا مثل الموصل التي نسعى لاستردادها من التنظيم”.

وواشنطن من داعمي رئيس الوزراء العراقي الذي يمثل ضمانة لحماية النظام السياسي الذي أرسته في العراق بالتعاون مع إيران وتريان فيه معا وسيلة لتحقيق مصالحهما في هذا البلد الغني بموارده الطبيعية وذي الموقع المهم في المنطقة.

ومن هذا المنطلق لم تعترض واشنطن على إطلاق معركة الفلّوجة لمعرفتها بحاجة العبادي، والنظام الذي يمثّله، لانتصار عسكري يغطّي به على سلسلة الفشل في معالجة باقي الملفات.

وبدا الاثنين أنّ العبادي يبحث عن العائد السياسي والإعلامي من وراء معركة الفلّوجة وذلك من خلال ظهوره لأول مرّة بالزي العسكري إلى جانب كبار القادة العسكريين، إضافة إلى أكبر قيادي بالميليشيات الشيعية، زعيم منظمة بدر هادي العامري، معلنا بدء المعركة ومؤكدا على ضمان النصر فيها.

غير أنّ رئيس الوزراء العراقي لن يكون الرابح الوحيد من حسم معركة الفلّوجة التي تجد فيها الميليشيات الشيعية بدورها استثمارا مجزيا يغطّي على صراعاتها الشرسة، وفشلها في حماية أمن العاصمـة بغداد، كما تريده إثباتا للوجود وتحدّيا للمعترضين الكثر على دخولها مناطق السنّة في محافظة الأنبار.

وقال ناشط سياسي عراقي في تصريح مقتضب لـ”العرب” عبر الهاتف من بغداد، طالبا عدم الكشف عن هويته “إذا ما كان العبادي قد ظهر باللباس العسكري باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة فإن الجزء الأكبر من المعركة سيدار من قبل زعماء الميليشيات المنضوية تحت خيمة الحشد الشعبي. وهو ما سيضع العبادي في مكان حرج، تبدو معه تصريحاته وأفعاله نوعا من الاستعراض المتأخر الذي لا ينفع في شيء”.

وأضاف “ما يعول عليه العبادي من مكتسبات سياسية يتوقع أن يحصل عليها من معركة الفلوجة قد لا تنفعه في الخروج من مأزق مشكلة الحكم، وهي المشكلة التي خرجت من نطاق الدائرة الضيقة للأحزاب المشاركة في العملية السياسية لتكون سببا في تأجيج الاحتجاجات الشعبية”.

واشتبكت القوات العراقية الإثنين مع مسلحي تنظيم داعش بالقرب من الفلوجة وقصفت أحياء بوسط المدينة في بداية هجوم لاستعادة السيطرة على المدينة الواقعة على بعد ستين كيلومترا إلى الغرب من بغداد.

وقال سكان إن اشتباكا وقع في منطقة الهياكل على المشارف الجنوبية للمدينة كان من أولى المواجهات المباشرة بين الطرفين. وقال مسؤول محلي إن القوات أيضا اقتربت من ضاحية الكرمة الشمالية في مسعى للقضاء على المسلحين قبل التوجه إلى وسط المدينة.

واستهدفت ضربات جوية وقصف بقذائف الهاون خلال الليل أحياء داخل الفلّجة يعتقد أن مقر داعش موجود فيها. ووصف المتحدث باسم الجيش العراقي العميد يحيي رسول في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي تقدم القوات بأنه حذر ويعتمد على المهندسين الذين يفككون العبوات التي زرعها المتشددون على جوانب الطرق.

وتنطوي عملية اقتحام الفلّوجة على مخاطر كبيرة على من بقي فيها من السكان المقدّر عددهم بحوالي المئة ألف، والعالقين منذ حوالي سنتين بين حصار تفرضه القوات العراقية والميليشيات الشيعية على مدينتهم من الخارج، وحصار يفرضه عليهم تنظيم داعش في الداخل لمنعهم من المغادرة والإبقاء عليهم دروعا بشرية.

وقال أحد المعترضين على اقتحام الفلّوجة قبل تأمين سكانها المدنيين، إنّ العائد السياسي المرجوّ من المعركة كبير بما يكفي ليجعل المتحكّمين في القرار العراقي لا يأبهون كثيرا لحجم الخسائر البشرية التي قد تنجم عن المعركة.

 

العرب