للمرة الثانية يتحدَّث وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن موعد جديد لبدء المرحلة الانتقالية في سوريا وحدَّد الأول من آب لترجمته. لكن أيّ مسؤول روسي أو من الحلف الدولي لم يُشر الى مثل هذه المهلة حتى اليوم بل على العكس تماماً، فالوفود الاوروبية الى سوريا استعادت حركتها الإستخبارية مع دمشق قبل أن تفرملها أحداث اللاجئين اليها. لماذا وكيف؟يُصرّ ديبلوماسي غربي معتمد في بيروت عند الحديث عن هذه المعادلة الجديدة التي تحدّث عنها المسؤول الأميركي، على ربطها بتطوّر جديد في الموقف الروسي سجّله وزير الخارجية سيرغي لافروف في محادثات فيينا قبل يومين عندما قال إنّ بلاده ليست مع الرئيس السوري بل مع الجيش النظامي السوري، ما فتح النقاش حول الجديد المتوافر في التسوية الأميركية ـ الروسية الخاصة بالأزمة السورية، وعما إذا كانت العاصمتان الروسية والأميركية قادرتين على إدارة المرحلة من دون غيرهما من حلفائهما.

فكلّ التقارير الديبلوماسية التي تناولت ملفّ التفاهم الأميركي ـ الروسي تناولت في كثير من التفاصيل ماهية أدوار الحلفاء الإقليميين وفي الداخل السوري. ودخلت في عمق التفاهمات مواقف كلّ من طهران وحلفائها من جهة وتركيا والسعودية وقطر من جهة أخرى وفق معادلة تستند الى مجموعة من الأرقام وأخرى تتناول القدرات العسكرية للطرفين.

على المستوى الإيراني يتقدّم الجردة التي تضمّنها التقرير الحديث عن الحليف الأول لطهران «حزب الله» الذي يجنّد نحو 15 الف لبناني في المواجهات المفتوحة على مساحة سوريا وما يزيد على 90 الفاً من «قوى الدفاع الشعبي» من الشباب السوريين الذين جمعهم الحزب ودرّبهم بالتنسيق والتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.

ويُضاف الى ذلك نحو 45 الفاً من الميليشيات الأخرى التي يُشرف عليها «الحرس» من الباكستانيين والفاطميين الأفغان والعراقيين المفصولين من قوات «الدفاع الشعبي العراقية» التي شكلها الحرس الثوري الإيراني من الشباب السوري والعراقي والأفغاني والباكستاني ونقلها الى سوريا في مراحل عدة حتى تجاوزت هذه القوى مجتمعة ما يربو على 150 الفاً.

وفي المقلب الآخر تبدو التقارير أكثر تشعّباً عندما تتناول مواقف دول عدة من تركيا الى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة بالإضافة الى بعض قوى الحلف الدولي الأوروبية التي تناقش في السرّ والعلن تعزيز قدرات المعارضة السورية التي ما زالت تدرجها تحت لواء «القوى المعتدلة».

وهي سعت ونجحت في الأسابيع القليلة الماضية التي رافقت التفاهمات على وقف النار المحدود في إدخال كميات كبيرة من الأسلحة الكاسرة للتوازنات الداخلية، خصوصاً في مواجهة الطيران السوري الذي دفع أوّل الأثمان في الأسابيع الأخيرة الماضية من المروحيات المتخصّصة بإلقاء البراميل المتفجّرة وحدّت من حركة الطيران النفاث في سماء ارياف حلب الجنوبية والشرقية وبعض احياء المدينة التي ما زالت المعارضة تسيطر عليها الى جانب «داعش».

وفي التقارير الديبلوماسية معادلة تترجم موازين القوى العسكرية وتشي بوجود عقبات كبيرة امام أيّ تفاهم اميركي ـ روسي ثنائي حاسم أشارت اليه من خلال جدول مقارنة بين ما تريده روسيا لجهة ضمّ «جبهة النصرة» و»جيش الإسلام» الى اللائحة التي تتقدمها «داعش» والفصائل المتطرّفة لضربها ومنعها من دخول مسار المفاوضات السياسية من جهة.

والرد العملي لكلّ من الأتراك والسعوديين عبر الفصائل السورية الأخرى بإعلان أكبر وأوسع تجمّع عسكري ضمّ 14 فصيلاً من بينها قوى هذين التنظيمين كردّ مباشر على الإجراءات الإيرانية وحجم النيران الروسية التي استُخدمت في ارياف حلب قبل الحديث عن المواجهة المفتوحة مع «داعش».

وأمام هذه المعادلة العسكرية والسياسية هناك إشارة واضحة الى أنّ ما سيواجهه التفاهم الأميركي ـ الروسي من قوى إقليمة وسوريّة محلية اكبر ممّا يتصوره أحد.

فحجم الأسلحة التي دخلت الى الفصائل السورية لا يُقاس بما تمتلكه من قبل وهو مؤشر خطير ينبئ بمزيد من الدم والعمليات العسكرية الكبرى وهو ما تحصيه القيادة السورية، وحلفاؤها الإيرانيون والروس ليسوا بعيدين من هذه الأجواء المقلقة.

وبناءً على ما تقدم، تتحدث هذه التقارير عن ابتعاد الأزمة السورية من مجالات الحلّ السياسي وتشير الى استعدادات تعيد الخيارات العسكرية الى الواجهة قريباً.

وهو ما سيترجم بعودة روسية عسكرية قوية كأن تتحدّث عن احتمال عودة «السوخوي 35» الى سوريا، عدا عن التحضيرات الإيرانية التي تلت «هزيمة خان طومان» وهي امور ستغيّر في حال حصولها على كلّ الإستراتيجيات التي رسمت لسوريا، ولن يكون سهلاً على المبعوث الدولي ستيفان دوميستورا تحديد موعد جديد لإستئناف مفاوضات جنيف.

وختاماً، لا بدّ من انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات سلبية ترتسم من خلالها عناوين المرحلة العسكرية والدموية المقبلة وثمّة مَن يدعو متضرّعاً الى الرب لمنع وقوع ما هو محتمل. وهو ما سيجعل أيّ جواب على مسلسل الأسئلة المطروحة مستحيلاً قبل أن تتّضح الصورة وهو ما ستتكفّل به الأيام المقبلة، ولا سيما عن أي آب يتحدث كيري؟ وعن أيّ مرحلة انتقالية؟

جورج شاهين: الجمهورية