"ماذا تفعل أميركا في سوريا في ظل النفوذ الواسع الروسي – الإيراني وهل صحيح أن الإدارة الأميركية استسلمت لروسيا وسلّمت الى الرئيس فلاديمير بوتين مفاتيح الحل؟ الواقع أن أميركا ساهمت مع حلفائها ومع قوى المعارضة في قلب الأوضاع جذرياً في سوريا وفرضت على الرئيس بشار الأسد وحلفائه وقائع أساسية ليسوا قادرين على التحرر منها والتصرّف بالبلد بطريقة تحقق أهدافهم ومصالحهم". هكذا لخّص مسؤول غربي بارز في باريس حقيقة الدور الأميركي في سوريا استناداً الى معلومات ومعطيات دقيقة ومحددة.

وأوضح "أن إدارة الرئيس باراك أوباما تبنت سياسة تجاه سوريا ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية هي الآتية: أولاً، ان الأزمة السورية ليست مسؤولية أميركا وحدها بل انها مسؤولية دول عدة معنية بها. ثانياً، رفض تكرار تجربة العراق والامتناع تالياً عن التورّط عسكرياً مباشرة وعلى نطاق واسع في هذا البلد والعمل على دعم عملية تغيير النظام من طريق مساندة المعارضة المعتدلة سياسياً وعسكرياً والتعاون مع الحلفاء وممارسة الضغوط المتنوّعة على الأسد. ثالثاً، تجنّب المواجهة مع روسيا وتطبيق استراتيجية التعاون معها من أجل إنهاء الحرب وتغيير النظام، خصوصاً أن موسكو راغبة في التعاون". وشدّد المسؤول الغربي على أن أميركا حققت في سوريا الأهداف الأساسية الآتية:
أولاً، أنهت أميركا بالتعاون مع حلفائها ومع قوى المعارضة حكم الأسد إذ أن الرئيس السوري فقد القدرة على الإمساك بسوريا وعلى تقرير مصيرها ومصير النظام وعلى فرض سيطرته عليها مجدداً وعلى حل أي من مشاكلها الهائلة وعلى إيجاد حل سياسي لأزمتها. ولم تستطع روسيا وإيران تغيير هذا الواقع وإنقاذ النظام ووقف الحرب بجهودهما الذاتية.
ثانياً، نجحت أميركا بالتعاون مع حلفائها في فرض وجود المعارضة المعتدلة شريكاً أساسياً وضرورياً في أي حل للأزمة وقت يرفض الأسد التفاوض معها والاعتراف بها وبمطالبها المشروعة ويصف المعارضين بأنهم إرهابيون ومتآمرون على الوطن.
ثالثاً، نجحت أميركا في إنجاز تفاهمات مع روسيا تتعلق بطريقة إنهاء الحرب وحل الأزمة تتركز خصوصاً على أن الحل سياسي وليس عسكرياً ويتطلب التفاوض بين النظام والمعارضة في إشراف دولي وليس الخضوع لشروط الأسد ومطالبه. وهذا يتناقض مع رغبة الأسد في حسم الصراع عسكرياً بمساعدة حلفائه واستعادة سوريا واخضاعها مجدداً لسلطته وهي أهداف يعجز النظام عن تحقيقها في أي حال.
رابعاً، استغلت أميركا نقاط ضعف حلفاء الأسد إذ أنها أدركت أن روسيا وإيران قادرتان على تغذية الحرب وإمداد النظام بكل وسائل الدعم لكنهما عاجزتان عن فرض السلام استناداً الى شروطهما وعن ايجاد حل سياسي للأزمة ينقذ النظام ويكون مقبولاً داخلياً وخارجياً. والسبب في ذلك أن روسيا وإيران تدافعان عن نظام ألحق بسوريا الكوارث وأضعف ذاته بذاته وأثبت عجزه عن حسم الصراع لمصلحته وعن تسوية الأزمة وانهاء الحرب.
خامساً، أنجزت أميركا مع روسيا الحليف الأساسي للأسد تفاهمات خطية تنص على أن حل الأزمة يتطلب الانتقال من طريق التفاوض مع المعارضة الى نظام جديد يحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته وليس الموافقة على بقاء النظام بتركيبته وقيادته وتوجهاته، وكرّست أميركا وروسيا هذه التفاهمات في قرارات أصدرها مجلس الأمن ووثائق دولية أبرزها القرار 2254 وبيان جنيف لعام 2012.
سادساً، نجحت أميركا في جذب روسيا إليها وإحباط أي محاولة لقيام تحالف روسي – إيراني حقيقي يحكم سوريا ويفرض شروطه من أجل تسوية الأزمة ويقرر مصير البلد ومصير نظامه. واستناداً الى المسؤول الغربي فإن روسيا استغلت الأزمة السورية من أجل محاولة عقد صفقة مع أميركا تتجاوز الساحة السورية وتعزز موقعها في الساحة الدولية والحفاظ في الوقت ذاته على إيران دولة صديقة لها تربطها بها علاقات ثنائية عسكرية ومالية واقتصادية وتجارية مثمرة لها.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: "أميركا وروسيا حريصتان كل الحرص، على رغم الخلافات القائمة في شأن بعض القضايا، على مواصلة التعاون بينهما في الساحة السورية ومتفقتان على أن المهم ليس ما يريده الأسد بل أن الحل الوحيد الشامل للأزمة يتطلب الانتقال الى نظام جديد وتشكيل قيادة شرعية جديدة لسوريا تنقل هذا البلد بمساعدة دولية – إقليمية الى مرحلة الاستقرار والأمن والسلام".