"في سن المراهقة، كان أهلي يعتقدون بأنني أدرس مع رفيقي، تحضيراً للإمتحانات. كنا نقفل باب الغرفة، ونشاهد أفلاماً إباحية.

وبدأنا نلامس أجساد بعضنا البعض، ونقوم بعلاقة جنسية. وقد استمرّ ذلك سنوات.

كنت أعتقد بأنني مثليّ الجنس، إلى أن التقيتُ بمارينا، زميلتي في العمل، ووقعتُ في حبها.

أنا الآن في الرابعة والعشرين من عمري، ومحتار بأمر هويّتي وميولي الجنسية".

تشكّل العلاقات الجنسية في حياة الإنسان موضوعاً مثيراً للجدل، وتضيف الأبحاث العلمية في هذا الصدد يومياً عوامل ومؤثّرات جديدة، قد تلعب دوراً في تحديد أسباب الهوية والميول الجنسية لدى البشر.

  هل أنا مثليّ الجنس؟  

تتحدّد الهوية الجنسية منذ الولادة، أو حتّى قبل ذلك. إلّا أنها قد تأخذ مراحل حياتية طويلة لتظهر.

قد يميل الإنسان جنسياً إلى الجنس الآخر (Heterosexual)، أو ينجذب إلى أبناء جنسه (Homosexual)، ويميل بعض الأشخاص لإقامة علاقات جنسية مع الجنسين معاً (Bisexual).

  الهوية الجنسية تُحدّد انتماء الفرد جسدياً وجنسياً لأحد الجنسين، ويتحدّد ذلك من خلال الكروموزومات، الجينات، الهورمونات والتكوين الدماغي للفرد، ذكراً كان أو أنثى.

  "أنا صبي، ذكر، أرتدي ملابس الذكور، ألعب مع الصبيان، بألعاب خشنة. أميل لأمي أكثر من أبي، بينما يشكّل أبي مَثَلي وقدوتي في الحياة".

  "أنا بنت، أنثى، أرتدي ثياب الأنثى، وألعب مع البنات بألعاب ناعمة.

أميل إلى أبي أكثر من أمي، بينما أمي هي مَثَلي في الحياة".

  يظهر إضطراب الهوية الجنسية من خلال التماهي الشديد، الواضح والدائم بالجنس الآخر. يعترف الإنسان برغبته بأن يكون من الجنس الآخر، ويعبّر عن ذلك من خلال الملابس، الألعاب وطريقة التعاطي.  

يشعر الصبي بالقرف من القضيب، أو الخصيتين، ويتمنّى اختفاء هذه الأعضاء من جسده. يقنع نفسه بأنها ستختفي، وهو يفضّل لو أنه لم يمتلكها أساساً.

  ويفضل الألعاب والملابس الأنثوية الناعمة، على تلك الذكرية الخشنة. أما البنت، فترفض التبوّل جلوساً، وتصرّ على أنّ القضيب سوف ينمو لديها.

ترفض بلوغ الحيض ونموّ الثديين، وتسعى إلى إخفائهما. تحلق شعرها، يشبه سلوكها ومظهرها الذكور إلى حدّ كبير.

  في عمر المراهقة، يعيش هذا المراهق حال انزعاج دائمة.

هو لا يستطيع التعايش مع كونه ظاهرياً ذكراً أو أنثى، فيكرّر تعبيره عن رغبته بأن يكون من الجنس الآخر، ويحاول إقناع الآخرين بأن لديه خصائص ومميّزات هذا الجنس.  

يعترف المصابون باضطراب الهويّة الجنسية بأنهم وُلدوا بالجسم الخطأ، فنسمع أحياناً: "أنا إمرأة على شكل رجل، أو أنا رجل بجسد إمرأة". فيسعون إلى إجراء عمليات جراحية، بهدف التشبّه بالجنس الذي لم يولدوا بمواصفاته، والتأقلم مع أنفسهم كأشخاص خلقوا بهذا الجسد عن طريق الخطأ.

  يرتبط إضطراب الهويّة الجنسية بخلل إجتماعي ودراسي ومهني عند الفرد، الذي لا يشعر بالإستقرار والراحة. وتختلف الصورة الحالية لجسده، عن الصورة التي يريدها لنفسه، بالإضافة إلى معاناته بسبب نظرة الناس له كمختلف، وعدم رضا الأهل، وشعوره بالذنب تجاه ذلك.

  التوجّه الجنسي

  التوجّه الجنسي هو ميل الإنسان وانجذابه جنسياً للآخر، سواء كان هذا الآخر رجلاً أو إمرأة، أو الإثنين معاً، وأحياناً قد لا يميل بالمطلق للقيام بعلاقة جنسية. ويُفسّر هذا الميل بانفعالات وأحاسيس جسدية، وانجذاب.

فيتضمّن تجارب من الرومنسية، الإثارة وأحياناً الإرتباك والخوف، في حال رفض المجتمع لأشكال معيّنة من الميول والتوجّهات الجنسية.   التوجّه الجنسي ليس خياراً، بل هو خارج عن إرادة الإنسان، لا يمكن تعليمه، كما أنه ليس مرضاً.

وقد يعيش الإنسان بعض العلاقات الجنسية، ثم يغيّر توجّهه بالنسبة لجنس الشريك، عبر المراحل الحياتية المختلفة.

قد ينجذب بعض الأشخاص لأبناء جنسهم، في سنّ مبكر جداً، كما في سنّ المراهقة، ثمّ يغيّرون جنس الشريك فيما بعد.  

عوامل عدة تكمن وراء التوجّه الجنسي للفرد، منها البيولوجية، البيئية، الثقافية، المعرفية، الإجتماعية وغيرها.  

أسباب بيولوجية  

يتأثّر التوجّه والإنجذاب الجنسي بالعوامل البيولوجية، من تكوين دماغي وهورمونات، مع عدم إغفال دور العامل الوراثي العائلي. كذلك، تلعب مرحلة ما قبل الولادة وتعرّض الأم للصدمات والتوتّرات الشديدة، كالحروب، دوراً هاماً في ذلك.  

أسباب نفسية

  يلعب المركز الذي يحتله الطفل في العائلة (الوسط) دوراً في ذلك، لكنّ ذلك يرتبط بكلّ حالة بشكل خاص، إذ لا يمكن التعميم في هذا الموضوع، كما يرتبط بالديناميكية داخل النظام العائلي.

فالتفاعل بين أفراد النظام العائلي مهمّ جداً من حيث الإستقرار النفسي والثبات، وشخصية الفرد وميوله وسلوكه.

  العلاقة المتوازنة بين أفراد العائلة الصغيرة هي ضرورية لإشباع حاجات الطفل العاطفية، وبالتالي التأثير إيجاباً في ميوله الجنسية واستقراره العاطفي.

فالعلاقة بين الأب والأم تقوم على الحبّ والود والإحترام المتبادل.

كما أنّ انجذاب الفتاة للأب ضروري، مع تماهيها بأمها.

  مقابل انجذاب الصبي لأمه، التي تمثل له الحنان، والتماهي بالأب كرمز للقوة والحماية.

يشكل غياب الأم بسبب الطلاق أو الوفاة، عاملاً مهماً بالنسبة لهويّة الطفل الجنسية، مع عدم الإستهانة بدور الأب وأهمية وجوده في النظام العائلي.  

أسباب بيئية وإجتماعية  

تتأثّر التوجّهات الجنسية بطريقة التنشئة، كطريقة التعامل مع الطفل بخلاف كونه ذكراً أو أنثى، بهدف التدليل. يميل بعض الأهل إلى تزيين الصبي، وإلباسه ثياب البنات، حتّى إنهم ينادونه بصيغة المؤنث، فيضيع الطفل بين إحساسه بنفسه من جهة، وبالمؤثرات العائلية من جهة أخرى. كما قد يلجأ بعض الأهل إلى التصرّف المعاكس مع البنت، بهدف دعمها، ودفعها إلى الإستقلالية عند البلوغ.  

إنّ تعرّض الطفل للتحرّش الجنسي، بشكل متكرّر، وخصوصاً إذا شعر بالرغبة في ذلك، قد يؤثر في التوجّه الجنسي لديه.

كما لا يمكننا عدم التطرّق إلى الحرّية المطلقة التي يمنحها الأهل، وغياب الإشراف ومراقبة أطفالهم، والفساد الذي تتسبب به وسائل التواصل الإجتماعي، فيشاهد الأطفال الأفلام والصور الإباحية، والتي تحتوي غالباً على مختلف التوجّهات الجنسية.

ويلجأ الأطفال والمراهقون إلى تجريب ذلك، سعياً وراء الإكتشاف واللذة والتطوّر.  

يشكّل تقبل التوجّهات الجنسية غير التقليدية تحدّياً حقيقياً في مجتمعنا اللبناني.

إلّا أنّ العوامل التي تؤثّر في تكوين التوجّه الجنسي عدة، تساهم بها الأسرة والمجتمع بالإضافة إلى عوامل أخرى.

  ولا بدّ من العمل على تخفيف القلق لدى الشخص الذي يعيش تجارب جنسية مختلفة عن ما تعوّد عليه في بيئته، إذ ينتج عن ذلك صراع وشعور بالذنب، كذلك من المهم مساعدة الأسرة على تقبّل الحالة لديها.

ويُذكر أنّ الإشراف على تربية الأبناء والبنات عن كثب يجنّب المسبّبات الخارجية للتوجّهات والميول الجنسية غير التقليدية.

الجمهورية