«حزب الله» بكل بساطة، لا يعلم حتى الآن الحقيقة، حقيقة ماذا حصل، قرب مطار دمشق الدولي. في الوقت نفسه، الحزب هو المصدر الوحيد للخبر عن مقتل مهندس عملياته التفجيرية، والمتهم من لدن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالمشاركة التنفيذية في تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمجزرة المروعة التي سبّبها هذا التفجير.

الحزب هو المصدر الوحيد للخبر. لم تستبق اذاعته بهمس وتسريب حول الموضوع. الجهات الرسمية في لبنان وفي سوريا لازمت الصمت رغم مرور أيام على اذاعة الخبر. الإسرائيليون لم يعيروا الأمر أهمية اعلامية تقارن مثلاً بمن هو أقل شأناً في الهرمية الأمنية للحزب مثل سمير القنطار.

الحزب أذاع الخبر وتخبط فيه، عدّل وجهة الإتهام، لكنه استعجل الخروج بنتائج التحقيقات، ثم خرج بآخر بيان له وفيه العجب العجاب، حول مقتل بدر الدين بانفجار نتيجة لقصف مدفعي. هذه الصيغة مكتفية بذاتها ستعني أن بدر الدين لم يسقط ضحية لعملية اغتيال، بل قتل عن طريق الخطأ في تراشق مدفعي، وهذا مستبعد. أو أنها صيغة تعني أن من رشق مقر بدر الدين بالمدفعية كان يعلم أنه هناك، رغم سريته الشديدة، والعمليات الجراحية التجميلية التي أجريت لاخفاء معالمه مراراً، وهذا يعني خرقاً ما، ولا يمكن إظهار ذلك بتحقيق سريع، وهذا يفتح المجال لهزّة داخلية حقيقية داخل الحزب لتبين أين الخرق وما هي حدوده، وما هو دور أصدقائه والخرق لدى أصدقائه سواء من الحرس الثوري الإيراني وقوات النظام أو مخابراته.

أما الفصائل السورية التي وجه الحزب اليها الاتهام فلم تتبنّه، مع أنه ليس من عادتها أن تتحرّج من تبني مثل هذا الاستهداف، ومع ذلك لم تتبنّه، بل سخرت من التهمة.

التخبط سيد الموقف اذاً لدى الحزب. الثابت أنّه أمام مسألة تختلف كثيراً عن ملابسات اغتيال عماد مغنية أو نجله جهاد أو القنطار أو غير ذلك من الاغتيالات، هذا الاختلاف يريد الحزب «سلقه» في توجيه هذه المرة ضد المعارضة السورية، أو في الاتجاه «العربي» بشكل أو بآخر. وانها لمفارقة، فالحزب الذي أراد القطع على طريق المحكمة الدولية، بتسويق سردية «الاغتيال الاسرائيلي» للرئيس الحريري والاغتيالات الأخرى، مخوّناً في الوقت نفسه من لا يقبل بهذه السردية، متهماً من لا يأخذها على محمل الجد بأنه «مطبّع نفسياً» مع اسرائيل، انتهى لاستبعاد «الاغتيال الاسرائيلي» رأساً في موضوع بدر الدين، موجهاً الاتهام في الاتجاه السوري والعربي، ومعتبراً في الوقت نفسه أن من يتهم اسرائيل «يطبّع نفسياً» مع التكفيريين، وأن اتهام التكفيريين «يساوي منطقياً» اتهام اسرائيل، انما بالمحصلة النهائية للصراع، وفي خاتمة التحقيق، وليس في قرار الاستهداف، واطاره التنفيذي.

التخبط الحقيقي مصدره أنه ليس من مصلحة الحزب صرف الانتباه تماماً عن رصد كل ملابسات اغتيال بدر الدين، وفي الوقت نفسه ثمة ضغط داخلي فيه لجلاء الحقيقة. يمكن في الداخل الحزبي تأجيل رد على اغتيال لسنوات، وحتى اغفال الرد، انما لا يمكن تمرير سردية تبسيطية متهافتة من تلقائها حول مصرع بدر الدين، فسردية كهذه هي تهديد شخصي لعدد كبير من القادة والكوادر بأنها غير محمية حتى في سردية حزبها من أي مكروه قد تتعرّض له، وهذا عادة ما يدخل كبرى التنظيمات في مناخ من «الارتجاج» والارتياب.

الثابت أيضاً أن الحزب تمكّن من حماية بدر الدين من المحكمة، لكنه لم يتمكّن من حماية شخصه، والأرجح أن بدر الدين نفسه كان ضغط على قيادة الحزب للسماح له، وهو من جيل يفترض فيه التقاعد حربياً، بالمشاركة في الحرب السورية، بدءاً من دوره في معركة القصير. في سوريا، لم يتول بدر الدين مؤخراً مهام قيادية حقيقية، وانما بالأحرى مهام «استشارية». لكن أهميته كانت في «رمزيته»، ورمزيته الأساسية كانت في اتهامه من قبل المحكمة، وتحدي حسن نصر الله العالم بأنه قادر على حمايته. لن يعدم الحزب خبراء عمليات تفجيرية بعد بدر الدين، الذي كان يمكن له أن يبقى بمنأى عن المحكمة مدى الحياة، وأن لا يبوح بشيء لو مثل أمامها، لكنه قُتِل. من قتله يتقصد في المقام الأول التنكيل برمز لدى الحزب، وبث ارتياب داخلي كبير ضمنه وحالة تشوّش قد تتضح أكثر في منعطفات مقبلة، لكن الدراية بذلك، ويفترض أنها بديهية، لن توقف مفعول الارتياب، من دون اماطة اللثام عن ملابسات الجريمة، وهو ما لم يفعله الحزب ولو بالحد الأدنى حتى الآن.