يعود البرلمان الإيراني للانعقاد في أواخر مايو في دورة يحمل فيها عشرات من النواب الجدد مفتاح التعجيل بالإصلاحات الرامية إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة، لكن من الصعب التنبؤ بما إذا كان هؤلاء النواب سيصبحون سبب نجاحها أم فشلها.

ويحل مجلس النواب الجديد الذي انتخب في فبراير الماضي والمكون من 290 مقعدا محل المجلس الذي كان يهيمن عليه المتشددون ويشعر بالارتياب في سياسة المهادنة مع الغرب، وكان يقيد خطط الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لتحرير الاقتصاد ورفع مستوى الإنتاجية.

وقد عزز المرشحون المؤيدون لروحاني تمثيلهم في المجلس وأصبح 60 في المئة من أعضائه نوابا جددا.

ومع ذلك تشير تقديرات مستقلة إلى أن هذا سيكون أول برلمان منذ أكثر من 20 عاما دون أغلبية سواء من المحافظين أم من الإصلاحيين، وربما تتبدل ولاءات ممثلي الشعب الجدد بين الفصائل المتعددة في إيران.

وقالت جميلة قاضيوار النائبة الإصلاحية السابقة التي تعيش الآن في لندن “من ناحية (أولى) هذه علامة إيجابية… (تؤشّر على )إمكانية وصول قوى جديدة للبرلمان واكتساب أشخاصٍ جددٍ خبرةً في التشريع″.

وأضافت، لكن “من ناحية أخرى… فإلى أن يتمكن النواب الجدد من اكتساب الخبرة اللازمة يمكن أن تتفوق مؤسسات أخرى من مؤسسات الدولة في المناورة على البرلمان أو يصبح هؤلاء النواب عرضة للتأثر بالنفوذ الخارجي”.

ويؤكد محللون أن الصورة لم تتضح حتى داخل المجلس نفسه إذ الانتماءات الحزبية في إيران ليست جامدة وقد أيد المعسكران بعض المرشحين في الانتخابات في حين أن الترتيبات قبل افتتاح البرلمان في 27 مايو الحالي قد تؤدي إلى انحياز نواب مستقلين إلى جانب مّا أو إلى آخر.

ويضيف هؤلاء أن المعركة الأولى بين المعسكرين المتمثلة في اختيار رئيس للمجلس ستشكل اختبارا مبكرا إذ أن هذه إحدى المهام الأولى للبرلمان الجديد.

فإذا استطاع الإصلاحي المخضرم محمد رضا عارف إزاحة الرئيس الحالي علي لاريجاني المحافظ الذي يتمتع بتأييد عريض فقد يؤذن ذلك بأن يكون المجلس أكثر تأييدا لروحاني بما يعمل على دفع سياساته.

ويتعرض روحاني الذي يمثل تيار الوسط لضغوط لخلق وظائف ودعم القطاع الخاص وتقليل الفساد وجعل الاقتصاد المتعثر أكثر إغراء للمستثمرين الأجانب، وذلك لعوامل ليس أقلها ما إذا كان يأمل في خوض انتخابات الرئاسة التي ستجري في يونيو عام 2017.

ويشعر المعسكران الإصلاحي والمحافظ بالقلق خشية أن تفتقر الوجوه الجديدة إلى الفاعلية التي تتيح لها دفع إصلاحات روحاني إلى الأمام أو سد الطريق أمامها، وإلى الخبرة اللازمة للحفاظ على الوحدة في مواجهة الانتكاسات.

ويبدو أن الروح المعنوية أعلى بين الإصلاحيين وذلك رغم أن أحزابهم الرئيسية مازالت محظورة بعد انتفاضة عام 2009 ووجود شخصيات بارزة كثيرة في السجن أو رهن الإقامة الجبرية.

وكان مجلس صيانة الدستور – وهو هيئة دينية غير منتخبة مكونة من 12 عضوا – قد منع كل الشخصيات الإصلاحية المعروفة تقريبا من خوض الانتخابات. ثم التف أنصارهم حول مجموعة من المرشحين المغمورين الذين عرفوا باسم قائمة الأمل.

ووحد أعضاء قائمة الأمل صفوفهم خلال حملة الدعاية الانتخابية. وبفضل دعم حليفي روحاني المعتدلين الرئيسين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي استطاع مرشحو القائمة إنهاء سيطرة المحافظين على البرلمان على مدى عشر سنوات وذلك من خلال الإطاحة بكثير من المتشددين.

ويشكك محللون في أن يتمكن الإصلاحيون من الحفاظ على هذا التناغم في الأداء ويؤكدون ضعف النواب الجدد في تحدي المؤسسة الدينية التي تتمتع بنفوذ كبير.

وروحاني ليس حرا في توجيه السياسة الاقتصادية إذ أن مجلس صيانة الدستور يراجع كل القوانين كما أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي له الكلمة الأخيرة في المسائل المهمة في الدولة وسبق أن أصدر مراسيم أغلق بها باب مناقشات برلمانية.

ويعتقد أحمد سلاماتيان – النائب السابق الذي يعيش في باريس – أن قائمة الأمل قد تتفكك بسرعة إذا فقدت زخمها تحت مثل هذه الضغوط وذلك لأن ما يوحدها هو الدعم الشعبي فقط.

ويقول “أعضاء قائمة الأمل… يمكنهم البقاء متحدين في البرلمان الجديد إذا أمكنهم الحفاظ على التأييد الشعبي بتنفيذ إصلاحات اقتصادية ملموسة خاصة في ما يتعلق بإيجاد الوظائف”.

وعلى النقيض يعاني المحافظون من تشتت حزبي، ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم خلال الحملة الانتخابية ومازالت معنوياتهم متأثرة سلبا بعد اللطمة القوية التي تلقوها في الانتخابات التي فقدوا فيها كل مقاعد العاصمة طهران وعددها 30 مقعدا.

ويقول متابعون للشأن السياسي الإيراني أن الأغلبية ستدفع حكومة روحاني إلى اختيار معاركها. ويقول محللون إن من المرجح أن يركز الرئيس على دفع الإصلاحات الاقتصادية بدلا من التحرر الاجتماعي.

ويؤكد هؤلاء أن ذلك قد يؤدي إلى مجموعة جديدة من المشاكل لتخلق مشاعر إحباط لدى ملايين الشباب والإيرانيين المتعلمين الذين صوتوا لروحاني في انتخابات الرئاسة عام 2013 أملا في المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية.

ومن بين كل الوجوه الجديدة تبلغ أعمار 12 في المئة من النواب الجدد 40 عاما أو أقل وفقا لبيانات وزارة الداخلية، في حين أن 60 في المئة تقريبا من الإيرانيين دون سن الثلاثين. ورغم انتخاب عدد قياسي من النساء لعضوية البرلمان فمازلن يمثلن ستة في المئة فقط من إجمالي الأعضاء في حين أنهن يمثلن نحو 60 في المئة من مجموع الطلبة في الجامعات.

 

صحيفة العرب