بعد إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي وإعلان الجمهورية الإسلامية باعتماد الدين الإسلامي وتعاليم أهل البيت (ع ) كأساس لدستور الجمهورية تعرضت إيران لما يشبه الحصار السياسي والعسكري والاقتصادي الإقليمي وخاصة من الدول الخليجية والدولي وبالأخص من الولايات المتحدة الأميركية. وذلك بسبب عنف اللهجة في الخطاب الثوري التي توجهت به إلى العالم الخارجي وإلى خصوم الثورة في الداخل الإيراني لدرجة اعتبرت ان كل معارض لها في الداخل والخارج او حتى كل من لا يبارك هذه الثورة فهو عدو لإيران وللاسلام. 

  وللتخفيف من عزلتها حاولت إيران فتح منافذ لها خارج الحدود فاعتمدت استراتيجية تصدير الثورة من خلال التواصل بشكل أساسي بالمكونات الشيعية المتواجدين في الدول المجاورة والذين يشكلون جزء من النسيج الإجتماعي في كل دولة. 

  وقد كان الشيعة في لبنان او شريحة منهم الأسرع والاكثر تفاعلا مع الثورة الإسلامية الإيرانية والأكثر اندماجا بها وتأييدا لها. ويعود ذلك للحرمان الذي كانت تعاني المناطق الشيعية في لبنان وخصوصا في الجنوب وفي منطقة بعلبك الهرمل. وكذلك بسبب التهميش الذي كانت تعيشه الطائفة الشيعية بشكل عام على مستوى الوظائف وعلى مستوى التأثير في صنع القرار السياسي في لبنان. وفي كثير من الأحيان كان الشيعة ملحقين سواء بالفاعليات السياسية او بالأحزاب اليمينية منها واليسارية. سيما وان حركة أمل وبعد تغييب الإمام موسى الصدر لم تكن بلغت مرحلة تشكيل كيان سياسي يجمع الشيعة داخل اجنحته.
فمد الشيعة بأبصارهم إلى الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها الإمام الخميني. فوجدوا فيها الملاذ الآمن الذي يمكن الركون إليه والقوة التي قد تشكل لهم سندا والمرجعية التي يمكن الوثوق بها.
 ولم يطل الأمر كثيرا حتى بدأت طلائع الحرس الثوري الإيراني تفد إلى لبنان وتلتقي ببعض الشخصيات الشيعية التي تشكل حيثيات دينية داخل مجتمعاتها. فتم التوافق بين الطرفين على تأسيس حزب سياسي لبناني هو حزب الله وله جناح عسكري هو المقاومة الإسلامية اللبنانية التي انطلقت في الجنوب تحت شعار محاربة إسرائيل التي كانت تحتل مناطق واسعة من ألجنوب.
إلا أنه كان لهذا الجناح العسكري مهمات أخرى داخل لبنان وخارجه طاولت خطف رهائن اجانب وتفجير مقرات أميركية واوروبية ومحاولات اغتيالات لأمراء بعض الدول الخليجية. وكل هذه المهمات كانت تتم تنفيذا لأوامر ايرانية خدمة لمصالح الثورة الإيرانية. 

  وبالرغم من ان إنجازات المقاومة الإسلامية كانت تصب بنسبة كبيرة في مصلحة العلاقات الإيرانية مع باقي دول العالم. ما يعني أنها كانت حاجة ايرانية. إلا أنه كان لها جانب مشرق خلال مسيرتها الجهادية استمدت شرعيتها من العمليات النوعية التي كان يقوم بها مجاهدي المقاومة ضد المواقع والمراكز الإسرائيلية المنتشرة على كافة أراضي الجنوب حيث استطاعت ان تحقق انتصارات واضحة ضد إسرائيل حتى فرضت عليها الانسحاب من لبنان في العام 2000.
وكان ذلك تتويجا لتلك الانتصارات ما جعل من حزب الله وقيادته موضع احترام وإعجاب الشعوب العربية التي رأت أن ما حققته هذه المقاومة بضرباتها الموجعة لأسرائيل عجزت عن تحقيقه الدول العربية قاطبة وخصوصا تلك الدول التي حملت لواء تحرير فلسطين بحيث تحولت القضية الفلسطينية إلى سلعة تاجرت بها الأنظمة العربية ووسيلة للتسلق إلى السلطة. 

  لكن هذه الانتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية في لبنان كانت إيران تجيرها لمصلحتها في لعبة التوازنات الإقليمية وتستخدمها كأوراق قوة في علاقاتها ومفاوضاتها مع دول الجوار ومع دول العالم ما يؤكد وبشكل واضح إلى أن إيران كانت تختار ساحات الجهاد وعمليات الخطف والاغتيالات التي كانت تتولى عناصر من المقاومة الإسلامية القيام بها. 

  وآخر ساحة للقتال اختارتها إيران لحزب الله هي الساحة السورية التي تحولت إلى حرب استنزاف لقدرات الحزب العسكرية واللوجستية والبشرية حيث خسر حسب بعض التقارير ما يزيد عن ألف وخمسماية قتيل عدا اضعافهم من الجرحى والمعوقين.
والأهم من ذلك خسارته التأييد الواسع على مستوى الشعوب العربية والإسلامية. مما أثار جدلا داخل الحزب عن جدوى القتال في سوريا سيما وأنه ليس هناك أفق واضح للحرب على الأراضي السورية. حيث ارتفعت أصوات داخل قيادة الحزب ترى ان المصلحة تقتضي بضرورة الانسحاب من الحرب السورية والمرابطة على الحدود.
وذلك للحد من الخسائر التي يمنى بها الحزب. وقد يكون القائد العسكري مصطفى بدر الدين قضى ضحية هذا الصراع الداخلي سيما وأن التقارير تتحدث عن أنه كان من المطالبين بالعودة من سوريا وهو ما رفضته بقوة قيادة الحرس الثوري الإيراني خلال لقاء عاصف تم مؤخرا بين قائد الحرس السابق قاسم سليماني وبدر الدين..