يتخوّف العراقيون من دخول بلدهم دورة عنف جديدة، من شأنها أن تعمّق أزمة البلاد، وتهدّد الكيان الهش للدولة، وذلك بعد أن كشف التصاعد اللافت في وتيرة التفجيرات داخل المدن والتجمعات السكانية العراقية بما في ذلك العاصمة بغداد وعدد من مدن الجنوب، عن ثغرات أمنية خطرة ناتجة عن سوء تسيير ونقص في كفاءة الكوادر الأمنية، وعدم انفصال العوامل الأمنية عن الاعتبارات السياسية في اختيار المسؤولين وتوزيع المهام.

وعادة ما يجري ربط العنف في العراق بتنظيم داعش، وقبله تنظيم القاعدة، لكن عراقيين يؤكّدون أنّ للظاهرة ارتباطا وثيقا بفوضى السلاح وشيوع ظاهرة الميليشيات المنفلتة بالكامل عن رقابة الدولة والتي لا تتوانى عن أي ممارسات للدفاع عن مصالح قادتها ولحمايتهم وتصفية حساباتهم مع خصومهم.  

وكشف التراشق الحادّ بين التيار الصدري الذي تقدّم قيادته نفسها كمتزعّمة للحراك الاحتجاجي الشعبي المطالب بالإصلاح، ومنظمة بدر التي تشرف على الشأن الأمني من خلال وزير الداخلية المنتمي إليها، محمّد سالم الغبّان، عن الارتباط الوثيق للمعطى الأمني بالاعتبارات السياسية.

  واتهم عضو كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري حاكم الزاملي، جماعة بدر بقيادة هادي العامري بتسييس العمل الأمني داخل وزارة الداخلة وبإقالة كوادر ذات كفاءة وتعيين أخرى غير ذات خبرة بالعمل الأمني لاعتبارات حزبية، والتقصير في حماية العاصمة بغداد بالامتناع عن استخدام مقدرات لوجستية موضوعة على ذمّة الوزارة بما فيهـا أجهزة حديثـة للكشف عن المتفجرات.  

وأوحى كلام الزاملي الذي كان يتحدّث من منطلق معرفته بالشأن الأمني كرئيس للجنة الأمن والدفاع البرلمانية، باتهامه جهات حكومية بالتواطؤ في التفجيرات الدامية التي ضربت مدينة الصدر ببغداد الأربعاء الماضي مخلّفة المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى، كون المدينة المذكورة معقلا رئيسيا للتيار الصدري الذي يخوض صراعا سياسيا شرسا ضدّ خصومه من زعماء وقادة الأحزاب الشيعية والذين شكّل حراك الصدريين تهديدا مباشرا لمكانتهم في قيادة الدولة العراقية.

  وبحسب خبراء الشؤون الأمنية فإن للأحداث الدامية في العراق، وتصاعد وتيرة القتل والتفجير صلة وثيقة بالأزمة السياسية لجهة تأثيرها على الجهد الحربي ضدّ تنظيم داعش، وهو جهد بدا خلال الفترة الأخيرة شبه متوقّف في عدد من المناطق ويتقدّم بوتيرة شديدة البطء في مناطق أخرى، بينما ينتكس ويتراجع في مناطق ثالثة.

  وتؤكّد مصادر عراقية وجود تأثير فعلي للأحداث في بغداد على جبهات القتال ضدّ داعش في مناطق أخرى، حيث اضطرت وزارتا الدفاع والداخلية للتركيز على حماية العاصمة ومراقبة الاحتجاجات والاعتصامات داخلها، فيما بادرت ميليشيات شيعية مشاركة في القتال ضمن الحشد الشعبي إلى سحب أعداد من مقاتليها لحماية مقراتها وقادتها في بغداد وغيرها وتحسّبا لنزاع مسلّح قد ينشب بين فصائل شيعية أخرى على خلفية الصراعات السياسية.

  وشنّ تنظيم داعش خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية سلسلة من العمليات والهجمات المضادّة في محافظة الأنبار جعلت أصواتا ترتفع من داخل المحافظة محذّرة من سقوط مركزها مدينة الرمادي مجدّدا بيد التنظيم بسبب الفشل في عملية مسك الأرض المستعادة من داعش.

  غير أن مراقبين يرون في تواتر التفجيرات والهجمات الخاطفة بعيدا عن جبهات القتال، مؤشرا على تحوّل تنظيم داعش من الاهتمام بالسيطرة على الأراضي، إلى نقل المعركة إلى ما وراء خطوط القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي، مبديا مرونة في التحوّل بسرعة من قوّة كبيرة مسيطرة على الأرض ومحاولة إدارة كيان عليها يسميه “خلافة إسلامية”، إلى مجرّد مجموعات صغيرة تنفّذ حرب عصابات وتعمل باستمرار على استنزاف القوات النظامية بهجمات خاطفة، ومواصلة إرهاق الدولة بزعزعة الأمن عبر زرع العبوات وتفخيخ السيارات وخصوصا داخل المدن الكبرى على غرار ما حدث مؤخرا في بغداد.

  وفي ظل هذه المعطيات يبدو العراق مقبلا على صائفة بالغة الصعوبة تتضافر فيها الأزمة السياسية مع الأزمة الاقتصادية، وتزيدها تعقيدا دورة عنف جديدة قد تبلغ حدّا غير مسبوق من الدموية، بفعل تراكم السلاح ووفرته وكثرة الجماعات المسلحة التي استفادت من الحرب على داعش في تنظيم صفوفها والحصول على أسلحة نوعية.

صحيفة العرب