كتب الباحث في معهد الشرق الأوسط أليكس فاتنكا، عن المعركة التي احتدمت حول خلافة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.

ويتحدث الكاتب في تقرير نشره موقع "فورين أفيرز" عن اجتماع عقده آية الله خامنئي في 10 آذار/ مارس مع عدد من رجال الدين في مجلس الخبراء، حيث إنه قبل ذلك بأيام في 26 شباط/ فبراير، شهدت الانتخابات خسارة عدد من الرموز المتشددة المعروفة، وتضاعف عدد الرموز المعتدلة بثلاثة أضعاف في المجلس، مشيرا إلى أنه "في صباح ذلك اليوم كان يدور في ذهن خامنئي المفعم بالحيوية الجالس في بهو جدرانه مطلية باللون الأبيض شيئا محددا، فقد كان يريد طرح موضوع الخلافة". 

ويشير التقرير إلى أن مجلس الخبراء أنشئ عام 1983، وبعضوية 88 من كبار رجال الدين الشيعة، حيث تم إنشاؤه لتحقيق أمرين؛ لمراقبة أداء القائد واختيار خليفته، لافتا إلى أنه في ذلك اليوم اجتمعوا لاختيار الثاني، وتحدث المرشد البالغ من العمر 77 عاما إلى الحضور قائلا إنه لن يعيش للأبد، لكن يجب على المرشد الأعلى أن يكون "ثوريا"، و"يجب ألا تكونوا (خجلين) عند اختيار الرجل القادم".

ويوضح الموقع أن "كلامه المحمل بالكثير من المعاني، وتلمحياته التي تشير إلى أن بعض الرجال الحاضرين، الذين فقدوا الحماس الثوري يشكلون الضربة للرجل الجالس إلى جانب خامنئي، وهو  آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني (81 عاما)، حيث إن الرجلين صديقان وخصمان منذ أكثر من نصف قرن، وآخر مرة تعاونا فيها كانت عام 1989؛ من أجل دفع خامنئي للمقدمة بعد وفاة آية الله الخميني".

ويستدرك فاتنكا بأن "كل واحد منهما لديه رؤية مختلفة عن إيران اليوم، ولا يوجد إلا أمل قليل لعقد صفقة ثانية بينهما، حيث إن كل واحد منهما يمثل رمزا للوضع القائم ضد الإصلاح الموعود، وينظر كلاهما للخلافة باعتبارها منعطفا مهما في مسار البلد ولإرث كل واحد منهما".

ويجد التقرير أن "تعليقات خامنئي في آذار/ مارس كانت تشبه القذيفة الأولى في الصراع على السلطة الذي يتخمر، حيث إنه منذ الثورة الإسلامية عام 1979 لم تشهد إيران سوى عملية خلافة واحدة بعد وفاة الخميني عام 1989، عندما أصبح خامنئي المرشد الأعلى، وتحولت العملية إلى شأن مديد غطى خمسة أعوام، وشهد الكثير من الدسائس والمنعطفات، التي شكلت سياسات إيران في الداخل والخارج. 

ويتوقع الكاتب أن تؤثر المعركة الحالية على السياسة الإيرانية بشكل أكبر في ظل المعسكرات المتنافسة، ويقول: "لا أحد يعرف عملية الخلافة مثل خامنئي ورفسنجاني؛ فكلاهما كان في الأربعينيات من عمره عندما ترقيا في المناصب بسبب قربهما من الخميني، وبدأ نشاطهما بالتعاون، وإنشاء حزب الجمهورية الإسلامية، الذي كان العربة الذي تم عبره تركيز السلطة السياسية في يد رجال الدين بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي العلماني في شباط/ فبراير 1979". 

ويرى الموقع أن الشراكة بين خامنئي ورفسنجاني قامت على مبدأ مهم وهو: تحييد المنافسين المشتركين بينهما، حيث إنه في السنوات الأولى من الثورة قاد الرجلان الجهود لتهميش وطرد، بل قتل، كل معارض سياسي وقف في طريقهما، لافتا إلى أن من الأشياء التي عملاها معا هندسة إسقاط أول حكومة معتدلة في مرحلة ما بعد الشاه، التي قادها مهدي بارزكان، وبعد ذلك في صيف عام 1981 تآمرا للإطاحة بأول رئيس شعبي منتحب، وهو أبو الحسن بني صدر، وقاما بتشويه صورته لكونه ليبراليا يريد إبقاء إيران في الفلك الإيراني، وقاما بإدارة محاكمة في البرلمان دفعت بني صدر للهرب من البلاد. 

ويلفت التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن علاقات الرجلين خلال هذه السنوات كانت متوازنة؛ لأن كلاهما كان يفتقد الشروط الدينية التي تؤهله للمنصب الأول، مشيرا إلى أن الأمر الثاني هو أن محاولات الخميني من أجل البقاء على رأس السلطة خلقت حالة من المنافسة الدائمة داخل الجمهورية.

وينوه فاتنكا إلى أن السنوات الأخيرة من عمر الخميني شهدت تصادما بين الرجلين، حيث توسعت سلطة رفسنجاني، فتولى منصب رئيس البرلمان، وحوله منذ عام 1980 إلى مركز رئيسي للسلطة، مشيرا إلى أن هذا جاء على حساب الرئاسة التي احتلها خامنئي بعد تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981. 

ويذكر الموقع أن خامنئي حاول عام 1984 توسيع سلطاته بعد الإشاعات حول مرض الخميني، حيث حاول تأمين منصب نائب الخميني، الذي كان يحتله رفسنجاني، ولم يرد الأخير التخلي عنه، خاصة أن البلاد كانت تخوض حربا مع العراق. 

ويذهب التقرير إلى أن الفشل ترك أثرا لم يمح من ذاكرة خامنئي، حيث لجأ كلاهما لانتقاد بعضهما، عبر إعلام الدولة بشكل أجبر الخميني للتدخل ووقف الحرب الكلامية، وخسر خامنئي في آب/ أغسطس 1985، عندما فشل في اختيار رئيس الوزراء، وفرض عليه رفسنجاني حليفه مير حسين موسوي، مشيرا إلى أن خامنئي حمل رفسنجاني المسؤولية، وقال في كلمة أمام البرلمان إنه لم يستطع اختيار رئيس وزرائه، ولم يكن بيده حيلة، وتدخل الخميني، الذي كان يستمع أكثر لرفسنجاني، قائلا إن اختيار رئيس وزراء غير موسوي يعد "بمثابة خيانة للإسلام". 

ويبين الكاتب أن "التنافس بين خامنئي ورفسنجاني، وإن ظل خلف الستار، إلا أنه لم يغب عن رادارات المخابرات الغربية، التي سجلت في تقارير كشف عنها أن كلا الرجلين حاول تعبئة أنصاره داخل القوات المسلحة، في حال اندلاع صراع على خلافة الخميني، وانتقاله إلى الشارع". 

ويفيد الموقع بأنه مع تدهور صحة الخميني، عاد الرجلان للتعاون من جديد، مشيرا إلى أنه التعاون الذي نفعهما في بداية الثورة الإسلامية.

ويرى الكاتب أن "قرار إحياء التعاون سيندم عليه رفسنجاني، فهو الذي هندس صعود رجل الدين من صف الوسط البالغ من العمر 49 عاما ليخلف الخميني، وكان  تصرفه مثالا عاليا عن النفعية السياسية، حيث تظهر أشرطة فيديو لاجتماع مجلس الخبراء كيف قال رفسنجاني إن الخميني طلب (ألا ينظر أبعد من خامنئي) في عملية اختيار القائد القادم، فإنه بذلك عبّد الطريق أمام خامنئي، وفي المقابل فإن رفسنجاني انتقل إلى القصر الرئاسي، لكن بعد تعزيز سلطات الرئيس في الاستفتاء على الدستور، الذي نظم في تموز/ يوليو 1989".

ويشير التقرير إلى أن رفسنجاني تحول في الثماني سنوات التي تلت ذلك إلى أقوى سياسي في إيران، وقام بتصميم سياسة البلاد الخارجية، التي تحاول خلق انفراجة بسيطة في العلاقات مع الولايات المتحدة، وبين طهران ومنافسيها العرب، بمن فيهم السعودية، ودون أن يلقى معارضة من خامنئي، لافتا إلى أنه في الداخل بدأ رفسنجاني "عهد إعادة الإعمار"، الذي شمل على لبرلة وتمويل عدة مؤسسات، عبر مشاريع ضخمة، من خلال الاقتراض الخارجي، ولم يصدر من خامنئي ما يشير إلى معارضته لهذه السياسات.

ويقول الموقع إن "الخميني لم يرض بأن يكون له منصب رمزي، وطمح بأن يكون قائدا قويا مثل الخميني، وبعد 27 عاما نجح في التفوق على صديقه ومنافسه وحليفه في عدة مرات، دون أن يقضي على تأثير رفسنجاني، أو الأسرار التي هدد الأخير بالكشف عنها".

ويعتد فاتنكا أن دهاء رفسنجاني السياسي جعله عراب المعسكر المعتدل والإصلاحي في إيران، وليس لأنه يعد عنصرا مهما في مجلس الخبراء، مشيرا إلى أنه يعترف بشكل مفتوح بأنه القوة المحركة وراء حكومة حسن روحاني، حيث يخوضان معا معارك ضد المتشددين، ويعتقدان أنهما الرابحان فيها، لافتا إلى أن حس رفسنجاني الواثق بالمستقبل بدا في 3 أيار/ مايو في عدد صحيفة "شرق" الإصلاحية، التي وضعت على صفحتها تصريحا له يقول فيه: "الآن أستطيع الرحيل بسلام".

ويتساءل الكاتب عما إذا كان خامنئي في اجتماع 10 آذار/ مارس، وانتقاده لرجال الدين، الذين ينقصهم حماس الثورة، يخشى من قيام رفسنجاني بهندسة خليفة له بالطريقة ذاتها، التي قام بها عام 1989، ولهذا اختار إطلاق الرصاصة الأولى.

وبحسب التقرير، فإن رفسنجاني وحلفاءه حاولوا قبل انتخابات شباط/ فبراير لمجلس الخبراء، ترقية حسن روحاني (43 عاما) وهو إصلاحي، حفيد آية الله الخميني، مستدركا بأن مجلس صيانة الدستور رفض ترشيحه، حيث لم تكن الأسباب التي قدمت مقنعة، بما في ذلك عمره. 

ويذكر الموقع أن رفسنجاني لا يريد منح خامنئي الذريعة كي يطلق عليه وحلفائه الحرس الثوري المسيطر، مشيرا إلى أن رفسنجاني وشبكته من الممكن أن يكونوا خسروا معركة، إلا أن الحملة لتولي المنصب الأعلى لم تخرج بعد من أيديهم.

ويعتقد فاتنكا أن المعركة بين الرجلين لا تنحصر في السياسة فقط، بقدر ما هي محاولة لحماية عائلتيهما والمتحالفين معهما، من الحملات الانتقامية في حال مغادرتهما المسرح.

ويختم "فورين أفيرز" تقريره بالقول: "تنبع أهمية المعركة على الخلافة من توقيتها، فهي تتزامن مع عودة إيران إلى الاقتصاد العالمي، واستئناف العلاقات مع الغرب، بعد سنوات من العداء، وبالتالي، فإن المسار الحالي سيحدد مسار الجمهورية الإسلامية الأيديولوجي، ويغيرها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، في ظل الرؤى المختلفة التي يحملها كل فريق".

 

عربي21