نجح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مؤقتا، في نزع فتيل تصعيد سياسي متوقع من قبل القوى السياسية المسيحية وخاصة حزب القوات والتيار الوطني الحر، بتأجيله عقد جلسة تشريعية إلى حين بت اللجان النيابية في مشاريع قانون الانتخاب.

وأعلن بري في مؤتمر صحافي نادرا ما يعقده، عن قراره بإعادة مشاريع قوانين الانتخاب إلى اللجان النيابية والتي تقارب الـ17 بغية غربلتها والإبقاء على مشروع أو مشروعين تتم مناقشتها في الجلسة التشريعية الموعودة والتي لم يحدد لها إطارا زمنيا، حيث ربطها بانتهاء اللجان من العمل على قوانين الانتخاب.

وكان بري قد أطلع زواره وخلال جلسة الحوار الوطني الأخيرة على تمسكه بعقد جلسة لتشريع الضرورة، خاصة وأن هناك عدة قوانين لا بد من المصادقة عليها قبل انتهاء الدورة العادية للبرلمان في مايو المقبل.

لكن القوى المسيحية الرئيسية على غرار حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر أعلنا عن رفضهما المشاركة فيها ما لم يتم إدراج قانون الانتخاب على لائحتها، فيما الكتائب يعارض أي جلسة تشريعية في ظل غياب رئيس للجمهورية.

وهناك انقسام حاد بين القوى السياسية في لبنان حيال القانون الانتخابي فمنها من تطالب بقانون قائم على النسبية وآخر مختلط.

وأعادت خطوة بري بالتراجع عن موقفه حيال عقد جلسة تشريع الضرورة دون قانون الانتخاب، خلط أوراق كل القوى السياسية. فتيار المستقبل على سبيل المثال وإن كان قد أعلن عن موقف ينسجم مع الثنائية المسيحية القواتية والعونية، بأنه لن يشارك في أي جلسة تشريعية ما لم يكن قانون الانتخاب بندا أوليا مطروحا فيها، إلا أنه يجد نفسه الآن أمام ضرورة التوافق السريع مع حلفائه على قانون انتخابي، والخروج برؤية موحدة حيال الموضوع في ظل خلافات واضحة حوله.

ويطلق بري هذا الموقف في لحظة انشغال القوى السياسية بالانتخابات البلدية، ويعطي اللجان النيابية المكلفة بدرس مشاريع القوانين، والتي قد يصل عدد النواب المشاركين فيها إلى 40 نائبا، فترة محدودة لا تتجاوز نهاية الدورة العادية للمجلس كي تنتهي من دراسة مشاريع القوانين، وهي المهمة التي لم تنجح فيها خلال فترة طويلة.

وفي حال فشل التوافق داخل اللجان على حصر المشاريع المطروحة لقانون الانتخاب، فعندها سيكون موقف الرافضين للمشاركة في جلسة تشريع الضرورة صعبا في ظل عدم توفر البديل، وهكذا سيتحول التشريع من اعتداء على الميثاقية إلى ضرورة وطنية عليا لا يستطيع أحد رفضها دون أن يتحمل بشكل كامل كل المسؤولية عن الشلل العام.

والجميع في لبنان يحتاجون إلى التشريع، ولكن كل طرف يسعى إلى قبض ثمن تسهيل التشريع من الطرف الآخر.

وعودة البرلمان إلى الانعقاد باتت ضرورة ملحة في لبنان، فلا يمكن في غيابه (فضلا عن غياب رئيس الجمهورية) التعاطي مع أي دولة، ولا قبول هبات ولا تنفيذ تلزيمات المنشآت العامة، ولا الشروع في حل الأزمات الكبرى العالقة التي تمس بحياة الناس اليومية.

وخصوصية طرح بري تكمن في قدرته على تفجير نقاشات داخلية في صفوف القوى السياسية من ناحية، ووضع علاقاتها مع حلفائها أمام اختبار قاس.

وكان رئيس مجلس النواب قد أشار خلال مؤتمره الصحافي إلى أنه لم يعد على أرض الواقع ما يسمى تحالف 8 آذار أو 14 آذار.

كما أنه بهذه الخطوة، يكون بري قد حافظ على وضعيته كطرف يحق له الدفاع عن قانون انتخاب خاص به، وهو ذلك الذي وضعه النائب في كتلة أمل، علي بزي، والبقاء من ناحية أخرى في دور الحكم المحايد، الحريص على المصلحة الوطنية، والمعني بوضع كافة القوى السياسية أمام مسؤولياتها.

وترتسم الخارطة التي يصممها بري بشكل تبدو فيه كل القوى السياسية محرجة، ولكنه يعطيها في الآن نفسه فرصة القيام بمناورات تعيد فيها موضعة خياراتها في اتجاه رفع مسؤولية التعطيل عن نفسها عبر الموافقة على عقد جلسة تشريعية، بعد الفشل المتوقع للاتفاق على قانون الانتخاب.

وهكذا لن يكون المستقبل محرجا في حال خرج من صيغة التوافق مع القوى المسيحية على أولوية قانون الانتخاب، وكذلك سيكون حزب الله مرتاحا لأن الاتهام بتعطيل التشريع لم يعد موجها له حصرا. فيما ستجد القوى المسيحية نفسها في وضع المتهم بالمسؤولية عن التعطيل إذا أصرت على مواقفها، ولن يكون أمامها سوى التوافق السريع على صيغة قانون موحد لطرحه، وهذا الأمر يتطلب تنازلات متبادلة بينها لا يبدو أنها ممكنة.

والخيار الثاني أمام القوى المسيحية، وهو خيار مر كذلك، يقضي بالتنازل عن طرح أولوية قانون الانتخاب، والقبول بتشريع الضرورة بما يعنيه ذلك من تبعثر للقرار المسيحي. من هنا يسجل لبري أنه نجح في خلق دينامية سياسية كبيرة في لحظة بات فيها الركود السياسي سيد المشهد اللبناني.

 

 

 

شادي علاء الدين: صحيفة العرب