تبذل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ما في وسعها لتثبيت الوضع في العراق لفائدة الأحزاب الدينية الحاكمة وبما يخدم مصالح إيران بحجة الخوف من داعش.

وأثارت تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن زيادة الوجود العسكري بحجة تضييق الخناق على داعش تساؤلات عن خفايا هذه الاستراتيجية بعد أن حسم البنتاغون أمره بالانسحاب من العراق بشكل لا رجعة فيه.

وما يثير الاستغراب هنا هو أن زيادة الوجود العسكري تأتي في وضع تمر فيه العملية السياسية التي جاءت نتاجا لغزو 2003 بأزمة تهدد استمرارها وبناء عملية جديدة تقوم على إصلاحات جوهرية.

ولم يستبعد متابعون للشأن العراقي أن يكون الإعلان عن خطط عسكرية أميركية جديدة تدخلا مباشرا في الصراع السياسي لإنقاذ العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والتي تديرها إيران بالوكالة، وقطع الطريق على أي تغيير.

وقال المتابعون إن الإيرانيين في وضع صعب حاليا لتوزع جهودهم على أكثر من جبهة من اليمن إلى سوريا إلى العراق، وإن من مصلحتهم استقرار الوضع لصالح حلفائهم في المنطقة، وهذا الأمر يحققه لهم الأميركيون تحت حجة الخشية من داعش.

وكشفت الأزمة التي يعيشها العراق عن أن الطبقة السياسية ضعيفة ومحدودة التأثير، فضلا عن حالة من الصراع بين مكوناتها الداخلية بما في ذلك داخل التحالف الطائفي الواحد، وهو ما عكسته التصريحات والتصريحات المضادة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الوزراء السابق، رئيس حزب الدعوة، نوري المالكي.

ومن الواضح أن التخويف من خطر داعش هدفه إسكات الأصوات المتصارعة، ودفعها إلى تأجيل خلافاتها، والتركيز على عدو مشترك، ومن ثمة الحفاظ على الوضع القائم الذي تديره الأحزاب الدينية المرتبطة بإيران، والذي كان من أبرز مظاهره توسع دائرة الفساد، واختفاء البعد الوطني أمام سطوة التفكير الطائفي ومصالح الميليشيات.

وفي سياق أسلوب التحفيز على ترك الصراعات والالتفاف حول الحرب على داعش، أبدى الرئيس الأميركي باراك أوباما تفاؤلا باستعادة السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من أيدي التنظيم، متعهدا بتقديم الدعم للعراقيين ليحققوا ذلك.

وتأتي تصريحات أوباما التي أدلى بها في مقابلة مع شبكة “سي بي أس نيوز” بعد ساعات من إعلان وزير دفاعه أشتون كارتر أن واشنطن سترسل مروحيات أباتشي وجنودا إضافيين إلى العراق.

وقال أوباما “كما نلاحظ، العراقيون راغبون في القتال ويحققون انتصارات، لنضمن لهم المزيد من الدعم”.

وتساءل مراقبون عن مدى قدرة القوات العراقية على خوض معارك تستطيع من خلالها تحقيق نصر فعلي على داعش في ظل تحكم الخطاب الطائفي في مصير الحرب.

وتطالب الأحزاب الدينية بأن يكون للحشد الشعبي دور فعال في خوض هذه الحرب، ولا تتحمس لأن تتولى المهمة القوات العراقية التي يراد لها أن تكون في الواجهة الخلفية.

وفي الجهة الأخرى، تسابق مجموعات وأحزاب سنية الوقت لبناء ميليشيا سنية يتم الآن تدريبها في إقليم كردستان بمشاركة تركية ومتابعة أميركية، فضلا عن أن الأكراد يخططون لأن يكون للبيشمركة دور مؤثر في هذه الحرب وأن تتم مكافأتهم عليه لاحقا بالاعتراف بهم كقوة صاعدة.

وأشار المراقبون إلى أن توحيد الأحزاب ضد داعش لا يمكن أن يلغي خلافاتها لاحقا، وأن الولايات المتحدة ستجد نفسها مجبرة مستقبلا على القبول بتجديد هذه العملية والتخلص من بعض الأطراف المشكلة لها حتى تستمر في إدارة الملف العراقي.

لكن، إلى أي وقت يمكن أن تستمر واشنطن في التحالف مع طهران في العراق، وهل تضمن استمرار إيران بالالتزام بهذا التحالف، وهي تعرف أن الإيرانيين لا يؤمنون بالحليف الدائم.

 

صحيفة العرب