تجاوزت المحادثات التي أجراها في القاهرة الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والفرنسي فرانسوا هولاند، أزمة السجل الحقوقي المصري، وركزت على دعم العلاقات الثنائية ومكافحة الإرهاب في المنطقة، ودعا السيسي خلال افتتاحه وهولاند أمس منتدى اقتصادي مصري – فرنسي، إلى عدم التعاطي مع الأوضاع في المنطقة بالمنظور الأوروبي، بعدما كان حذر في مؤتمر صحافي عقب القمة، من تداعيات سقوط مصر ومؤسساتها على المنطقة وأوروبا، فيما أكد هولاند، أن «فرنسا اختارت أن ترافق مصر بالكامل من أجل أمنها وتنميتها الاقتصادية، لكي نضع العلاقات بين البلدين في مشاريع طويلة المدى»، بعدما كان أكد أن التعاون مع القاهرة «لا يغفل مناقشة الملف الحقوقي ومعالجة بعض القضايا العالقة».

واعتبر السيسي في كلمته أمام المنتدى أن «النظر لما يشهده الشرق الأوسط من اضطرابات من منظور أوروبي هو «ظلم كبير لدول المنطقة»، ودعا إلى «النظر لما يحدث في دول الشرق الأوسط بمنظورنا وثقافتنا»، مشيراً إلى تحذيراته السابقة «من خطورة ظاهرة المقاتلين الأجانب وتأثيراتها في دول المنطقة وأوروبا».

وشدد على أن مصر «تسعي للنهوض والوقوف على قدميها لتأخذ مكانها وسط الأمم المتقدمة، كدولة ديموقراطية حديثة، تحقق آمال شعبها وتسعى إلى استقراره، وتوفر له حياة آمنة ومستقرة يتمتع فيها بالحريات، والحقوق الكاملة التي نراها من منظورنا: حقوق تكفل التعليم والعلاج والحياة والعمل والوعي الجيد... ننتظر ونتطلع إلى تعاونكم معنا لهدف إنساني قبل أن يكون لهدف اقتصادي»، مشيرا إلى أن العلاقات بين مصر وفرنسا تشهد نموا في مختلف المجالات في ضوء الفرص العديدة المتاحة التي تعود بالنفع على الجانبين، ونتطلع لمشاركة واسعة النطاق في برامجنا الطموحة ومشاريعنا». وأضاف أن فرنسا أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر وتمثل فرصاً للصادرات المصرية، موضحاً أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 2.58 بليون يورو، وأن مصر تطلع لزيادة صادراتها غير البترولية لفرنسا.

من جانبه، حدد الرئيس الفرنسي في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي، ثلاثة تحديات تعرقل جهود مصر للتنمية، «الأول هو التحدي الأمني في منطقة تعاني من الكوارث والمآسي والحرمان والإرهاب، ولن تكون هناك تنمية اقتصادية في المدى المتوسط والطويل في ظل وجود تحديات أمنية»، مشيراً إلى أن التحدي الثاني هو التحدي الديموغرافي، حيث تشهد مصر زيادة سكانية بمعدل مليوني نسمة سنوياً، معتبراً أن «تزايد السكان هذا يعني تجدد الشعب ولكنه عبء عندما لا تتوافر التجهيزات والبنية التحتية لمواجهة هذه الزيادة».

وأضاف أن التحدي الثالث هو «التحدي الجوغرافي، فمصر في موقعها الجوغرافي وأياً كانت الإرادة السياسية من الصعب تغيير الجوغرافيا الخاصة بها»، مضيفاً أن «مصر مرتبطة بقناة السويس ولكن حتى توسعة القناة فرصة كبيرة جداً لكن عليكم العمل على أن يتوسع سكان مصر على أرض مصر».

وتابع إن «الإرهاب يضرب دول المنطقة (الشرق الأوسط) ونحن بحاجة للتفكير فيما حدث العام الماضي في فرنسا. فهناك صلة... علينا أن نعمل معاً لحل الأزمات والخروج من النزاعات وهذا ما نحاول أن تقوم به مصر وفرنسا».

وشدد هولاند على أن فرنسا «تدعم مصر من أجل تحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية»، وقال: «فرنسا اختارت أن ترافق مصر بالكامل من أجل أمنها وتنميتها الاقتصادية، لكي نضع العلاقات بين البلدين في مشاريع طويلة المدى»، مشيراً إلى أن «مصر عندها طموح كبير وهو أن تتمكن من مواجهة التحديات الجسيمة». واعتبر أن وجود شركات فرنسية بعدد كبير في مصر خير دليل على الثقة التي توليها تلك الشركات للوضع في مصر. وقال: «لم توقف أي شركة فرنسية عملها في مصر منذ 2011».

وكان ملف حقوق الإنسان في مصر، هيمن على مؤتمر صحافي عقده السيسي وهولاند في أعقاب قمة جمعتهما في قصر القبة الرئاسي مساء أول من أمس، وحذر السيسي من تداعيات سقوط مصر على استقرار أوروبا، واتفق هولاند معه كون «استقرار المنطقة ومصر يؤثر في استقرار فرنسا وأوروبا»، لكن الرئيس الفرنسي أكد أن التعاون مع القاهرة «لا يغفل مناقشة الملف الحقوقي ومعالجة بعض القضايا العالقة».

ونبه السيسي في معرض إجابته عن سؤال حول مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، إلى «أن هناك محاولة لعزل مصر عن محيطها الأوروبي وإسقاط مصر من الداخل»، وقال: «لا تفصلوا مصر وما يحدث فيها عما يحدث في المنطقة فهناك قوى شر تريد أن تعطي انطباعاً غير حقيقي عما يحدث في مصر... لقد قلت سابقاً إننا نعزي في الشاب الإيطالي ريجيني ومستعدون لاستقبال فريق محققين إيطاليين في مصر، لكن للأسف ما يجري في مصر الآن هو محاولة لتحطيم مؤسسات الدولة، لذا يجب أن تسمعونا وتثقوا بأننا نحدثكم بشرف. فعلاقتنا بفرنسا وإيطاليا جيدة جداً ومتميزة وما يحدث هو محاولة لعزل مصر عن محيطها الأوروبي وإسقاط مصر من الداخل». محذراً «لو سقطت مصر فلن تعرفوا ماذا سيحصل للمنطقة وأوروبا والعالم كله».

وتابع السيسي: «نحن حريصون على أن نؤكد أننا دولة مدنية حديثة، صحيح أنها وليدة تخطو خطواتها الأولى في الديموقراطية، لكننا حريصون على توسيع مفهوم حقوق الإنسان. نرى بالإضافة للحريات ضرورة توفير التعليم الجيد والمسكن والعلاج والوعي الجيد لنؤكد أننا حريصون على أن تكون دولة قانون تحترم الحريات والحقوق». وقال: «لا يجب أن نغفل الواقع الذي نعيش به، لا يمكن أن تكون المعايير الأوروبية تطبق عندنا. نحافظ على حياة واستقرار 90 مليون مصري في ظل إرهاب يسعى إلى ضرب الدولة، وفي حال نجح سيؤدي ذلك إلى الإخلال بالاستقرار في أوروبا”.

أما الرئيس الفرنسي فأكد في المؤتمر الصحافي أن «العلاقة بين مصر وفرنسا ليست علاقة آنية بل نريد أن تكون علاقتنا مستدامة ويجب أن يتم إثراؤها... وما يحدث من مشاكل هي حوادث فردية سيتم مناقشتها».

وأضاف أن «فرنسا تعرضت لاعتداءات إرهابية في كانون الثاني (يناير) الماضي، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) كان هناك 130 قتيلاً ومئات الجرحى، وردت فرنسا رداً مناسباً، وزدنا من ضرباتنا في سورية والعراق، وتبنينا قوانين لمكافحة الإرهاب وتعزيز قدراتنا في مجال الاستخبارات، وتبنينا تدابير تم التصويت عليها، وأعلنا حالة الطوارئ لكننا لم نمس الحريات».