مرّة أخرى، وكما في كلّ عام، تداهمنا ذكرى 13 نيسان (أبريل)، يوم خرجت كلّ الشرور من علبة باندورا اسمها "بوسطة عين الرمّانة".


منذ ذاك الحين، والمحاولات لردّ تلك الشرور إلى علبتها تلقى فشلاً بعد فشل. يصحّ ذلك في أكبر تلك المحاولات وأكثرها جدّيّة، أي اتّفاق الطائف في 1989، والذي انفجر، هو الآخر، بطريقته الخاصّة في 2005، ولا يزال يترنّح، ويجرّنا معه، من فشل إلى آخر.


هذه المحطّة السنويّة تستحضر الكثير من الندب والبكاء، كما تستحضر أحياناً هجاء للطائفيّة. وهذه الأخيرة لئن كانت تستحقّ الهجاء حقّاً، إلاّ أنّ ذلك غدا، في لبنان، وفي أوضاع المنطقة التي نعيشها اليوم، أقرب إلى هجاء لواحد من عناصر الطبيعة لا سبيل إلى ردّه.


وهذا ليس للقول إنّ الطائفيّة عنصر طبيعيّ، يقف خارج التاريخ وخارج الإرادة الإنسانيّة، لكنّ الغرض منه توكيد متانة هذا "المرض" وما يشبه انعدام القوى المؤثّرة التي ترفضه فعلاً.


والحال أنّ من علامات قوّة الطائفيّة واستفحالها الراهن ذاك الصمت عن السبب المباشر وراء 13 نيسان، ووراء استمراره بأسماء وصيغ أخرى. وليس من المبالغة القول إنّ أبشع تعابير الصمت المذكور ميل بعض الأوساط إلى تسييس السبب المذكور وأدلجته. هنا يتحوّل الصمت لا إلى تواطؤ فحسب، بل إلى تجميل.


ففي 13 نيسان 1975، وفي يومنا الراهن أيضاً، لا تستعرض الطائفيّة سُـمّيّتها وصدامها الأكثر مباشرة بحياة اللبنانيّين كما تستعرضها بالتسلّح خارج نطاق الدولة وسلاحها الشرعيّ.


وفي 13 نيسان 1975، كما اليوم، هناك دوماً "قضيّة" (وطنيّة، قوميّة، دينيّة إلخ...) يتذرّع بها هذا السلاح الطائفيّ ليفرض سطوته على باقي اللبنانيّين.


وإذا كان واقع كهذا هو الوجه الأكثر نتوءاً وعدوانيّة من أوجه الطائفيّة، فأولى المهمّات وأهمّها هي اتّخاذ موقف قاطع وجذريّ من هذا السلاح.


ما يُلاحظ، في المقابل، أنّ أكثر الذين يتشدّقون بأنّ الطائفيّة ظاهرة تاريخيّة ونسبيّة هم أكثر الذين يعملون، من خلال دفاعهم عن السلاح في 1975 واليوم، على جعلها أشبه بطبيعة الأشياء، وأقرب إلى الجوهريّ والمطلق. فمحاربة الطائفيّة في التاريخ وتأويله، وفي الأفكار وتحوّلاتها، تسير، والحال هذه، يداً بيد مع تعزيز الطائفيّة من خلال تبرير السلاح وأدلجته.


ولا يبدأ التعلّم من 13 نيسان 1975، أي الخروج منه، إلاّ بتغيير النهج هذا، وتالياً بتوحيد الطائفيّة وسلاحها في نظرة نقديّة، بل نقضيّة، جامعة. أفلم يكن السلاح، أمس واليوم، الأداة الضاربة للطائفيّة باسم "قضيّة" لم تعد لاطائفيّتها تنطلي على أطفال متوسّطي الذكاء.


أذى الطائفيّة لا يتأتّى عن السلاح فحسب، إلاّ أنّه يأتي أوّلاً من السلاح.