تراجع المرشّح دونالد ترامب أو بالأحرى بطء تقدّمه على رغم احتمال فوزه بقوّة في ولاية نيويورك قريباً، مع تقدّم منافسه كروز واستمرار كيسيك، يرجّح تحويل مؤتمر الحزب الجمهوري في حزيران المقبل، المخصّص لتسمية الحاصل على غالبية 1237 من المندوبين مرشّحه للرئاسة، إلى مؤتمر يصوت المندوبون فيه على اختيار أحدهم للترشّح إذا لم ينل أي منهم قبل انعقاده الغالبية المذكورة. وهو يسمّى بالإنكليزية (Contested Convention). ويحتمل أيضاً أن يتم التصويت لشخصية من خارج هؤلاء. وهذا ما يخشى ترامب أن تكون تعد له المؤسّسة في "الجمهوري" غير المرتاحة لترامب والتي قد تفضّل عليه كروز على رغم ميلها الأساسي إلى مرشّح من "طينة" أخرى.
أما في الحزب الديموقراطي فيتردد كثيراً على ألسنة الساسة الأميركيّين في وسائل الإعلام المتنوّعة أن بيرني ساندرز يحاول أن يدفع "المؤتمر" الذي سيسمّي المرشّح الرسمي له لكي يصبح مثل مؤتمر "الجمهوري" الذي تحدّثت عنه أعلاه بحيث يصبح له حظ في أن يُسمّى. لكن صعوبة ذلك كبيرة على رغم تقدّمه في الآونة الأخيرة. ولعلّ الانتخابات التمهيدية في نيويورك التي ستجري الشهر الجاري تعزّز آماله أو تقضي عليها، لكنه سيستمر والمرشّح المرجّح مع شيء من التأكيد هو كلينتون.
في أي حال يلاحظ زائر واشنطن ونيويورك كما متابعو الأوضاع والتطوّرات في الولايات المتحدة نوعاً من "الضعضعة" داخل الحزب الجمهوري. إذ تكاثرت فيه الأجنحة وخصوصاً بعد ولادة "حزب الشاي" من رحمه. ولذلك أسباب كثيرة لكن يبقى أبرزها قرار المتشدّدين الجمهوريّين، وخصوصاً بعدما صاروا غالبيّة في حزبهم داخل مجلسي الكونغرس منذ دخول باراك أوباما البيت الأبيض رئيساً بداية عام 2009، محاربته لإفشاله ومنعه من تحقيق أي إنجاز باستثناء عدد من المعتدلين الذين عملوا للتنسيق بين الحزبين في قضايا تهمّ الشعب فنجحوا حيناً وأخفقوا أحياناً. ويتشابه تصرُّفهم هذا مع تصرُّف "نواب" العالم الثالث وسياسيّيه الذين همهم منصبٌ دائماً على إفشال المنافسين وإن تسبّب ذلك بالإضرار بالوطن.
واستعمل هؤلاء في معركتهم أمرين: الأول كون أوباما افريقياً أميركياً (أسود). والثاني اتهامه بأنه مسلم لأن والده كذلك وبأنه مولود خارج الولايات المتحدة وتالياً لا يحق له الرئاسة قانوناً ودستوراً. كما استعملوا قضية داخلية هي مشروعه الصحي الذي صار "قانوناً" (Healthcare). طبعاً "عقّدوا عيشته" لكنهم أخفقوا في منعه من الانجاز. وبقي رئيساً وظهر بطلان اتهامهم إذ ثبُت أن لا عائق أمام وصوله إلى الرئاسة وأنه مسيحي مؤمن. وما لم يدركه هؤلاء أن الجذور المسلمة لأوباما تجعله أكثر فهماً للعالم الإسلامي ووعياً لمشكلاته وأخطاره وقدرةً على المساعدة لاستقراره. إذ أن في ذلك استقرار للعالم. وما يجري فيه حالياً دليلٌ على ذلك. كما لم يمنعه ذلك من الانجاز. إذ حقق من أجندته منذ انتخابه حتى الآن ما اعتبره العالم منع ايران من صنع سلاح نووي وعودتها إلى المجتمع الدولي. والنتيجة المنطقية لذلك، لاحقاً إذا كان رئيس أميركا الجديد واعياً، التعاون معها ومع كل دول المنطقة لإعادة الاستقرار إليها. ونفّذ الانفتاح على كوبا، وسحب جيشه من العراق وبعضه من أفغانستان. وداخلياً أنهى ببطء ولكن بثبات الأزمة المالية الاقتصادية التي بدأت أيام سلفه جورج بوش، ونفَّذ مشروعه الصحي وإن معدَّلاً. هذه "الضعضعة" الجمهورية قد تتسبب في خسارة الحزب الجمهوري البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في انتخاباته التي ستواكب انتخابات الرئيس وربما معه مجلس النواب، وقد يهدِّد ذلك دوره جدِّياً وربما وجوده.
في نهاية هذه المقدمة لسلسلة "الموقف" عند زيارتي الأخيرة لواشنطن ونيويورك لا بد من الاشارة أولاً إلى أخطاء ارتكبها أوباما في عهده وأهمها عدم وجود سياسة أو استراتيجيا شرق أوسطية له. وهذا ما عكسته تصريحات مسؤولين كبار، وكذلك حديثه للصحافي المهم غولدبرغ الذي نشره مركز الأبحاث "أتلانتيك كاونسيل" (Atlantic Council)، وثانياً حال المراوحة والجمود في السياسة الخارجية الأميركية السائدة حالياً.
ماذا في جعبة موظف سابق مهم تعاطى مع إدارات عدة في بلاده مع منطقتنا؟