الأدب الثوري ، ومهامه الإنسانية الراهنه " مقدمه تاريخية موجزة "اذا كان صراع " سيزيف " مع الكون في الميثولوجيا الإغريقية و "جلجامش " مع الطبيعة والبقاء في الأدب السومري ، " أو أتيس " مع الحياة ، و " تموز " مع الجحيم قد أرخ لخوارق الإنسان ازاء مظاهر الطبيعة الخارقة وشدد من خيط المواجهة ضد الأقدار الهالكة ، فانه من الجانب الآخر قد فرز وبشكل جلي بين الأضداد المتمثلة بالخير ، والشر حسب رؤية الإنسان البدائي و تأكيد كينونته وسلطته فوق جبروت الطبيعة و الآلهة حتى وان جاء الطوفان ! وبما أن سير التاريخ السحيق قد اوجدت فتحات هائلة متعاقبة في مفهوم صرخة واصرار الإنسان البدائي ضد قوى وطغيان الطبيعة فإنها في مكان وعصر آخر قد تحولت الى صرخة جارفة من اجل الحرية والتحرر من العبودية كما في ثورة " سبارتاكوس " و " عنترة " أما في اطار الحضارة الإنسانية في عصرنا هذا يكون الصراع قد اخذ مداه بفرز واضح لايقبل التوسط او مفاهيم المصالحة ، إذ كيف يكون التوفيق بين الدمار ، والسلام مثلاً ؟ وكان لابد للأدب الحقيقي ان يأخذ دوره في عملية الصراع التي جرت وتجري الآن بين مثل الحرية والتقدم من جهة والعبودية والتخلف والفاشية من جهة اخرى.‎ وهكذا برز الحرف الثوري في صراع الإنسان الأزلي كالذي نجده في " الشيخ والبحر " ل " همنغواي " وقدرات الإنسان الخارقة أو " ذباب ل " سارتر " ضد النازية أو كالذي نعيشه في " الوضع الإنساني " "مارلو " ومقاومة الشعب الصيني و " دون شولوخوف " والنهر الدافيء  و "مصير انسان " في التصدي البطولي السوفيتي للوحش النازي .كما نقف على نفس المغزى في " افول القمر " ل " جون تشينبك " ونضال الشعب النرويجي ضد الجحافل الهتلرية ،كذلك نجد تلك النتاجات الواعدة في كتب رائد الثقافة الصينية  " لوسين " كما نطالع ذلك إيضاً عند كتاب وشعراء مثل " تولستوي ، وبوشكين ، وشوخولوف ودوستويفسكي ، وأليا أهرنبرغ ، وماياكوفسكي ، وفي ملحمة الكاتب اليوغسلافي " ديز ايدرتيش " " جسر على درينا " أيام المقاومة الباسلة ، و " دائرة الطباشير القوقازية " ل " بريخت " وفي الشعر يحتل شعراء المقاومة الفرنسية ك " لويس أراجون " و " بول ايلوار " مكاناً بارزاً في شعر المقاومة العالمية وقت الإجتياح النازي وفي الشعر والأدب الفتنامي والأفريقي واليوناني يمكن ان نلتقي بنخبة من الشعراء الثوريين لولا ضيق المجال هنا و معذرة للقراء . وضمن هذا السياق يمكننا ان نستعرض معاً نماذج موجزة من شعر المقاومة العراقية والعربية في خضم الأحداث الدامية في هوسات ثورة العشرين و الأدب الشعبي العراقي ، وفي " اتعلم انت ام لا تعلم " و " يوم الشهيد... " للجواهري ، و " يوم الطغاة الأخير " للسياب وقصائد كوران الثورية ، ورواية " القربان " لغائب طعمة فرمان ، ويجد له تعبيراً في " زقاق المدق " و " اولاد حارتنا " لنجيب محفوظ و مقاومة الشعب المصري للأستعمار الأنكليزي ، وشعر جميل ورانع  وخواطر نثرية شعرية وشاعرية للكاتبة الأديبة الشّهيرة الساطعة " د . غادة فؤاد السمان  " والشاعرة الكاتبة الأديبة المقتدرة " د . أحلام مستغانمي " التي كتبت  أجمل الأشعار والخواطر التي تعالج  فيها قضايا عربية ملحة و كذلك نجد كتابات وشعر عربي تحرري للدكتور " عيد صالح " ..وفي أدب الشعب الجزائري و نضاله المرير ضد الأستعمار الفرنسي بأعمال ك "نجمة " لكاتب ياسين و " ثلاثية محمد ديب " ، و " ابن الفقير " ل " مولود فرعون " ... كما نجد اكثر تجذراً في " رجال تحت الشمس " لغسان كنفاني وشعر المقاومة  ‎ الفلسطنية في مواجهة الإغتصاب الصهيوني لفلسطين العربية وتخليداً لمرحلة الكفاح و المقاومة البطولية للشعب الفلسطيني ولا ننسى دور الشاعر الثائر محمود درويش والشاعرة المكافحة فدوى طوقان في هذا الجانب . واذا كان الأدب الثوري حاضراً في هذه الدائرة الإنسانية

فإن الشعر كان أكثر الفنون و الأنواع الأدبية تميزاً فيها اذ كان روحاً اخرى من روح المقاومة وفي وسطها حتى النفس الأخير شعر المقاومة الفرنسية يحتل شعر المقاومة الفرنسية مكاناً بارزاً في شعر المقاومة العالمية وقت الإجتياح النازي ، اذ كان أكثر انتشاراً وذيوعاً وتكاملا ، مع انخراط أغلب الشعراء الفرنسيين في صفوف المقاومة التي ناف عددها على الربع مليون . لقد كان الشعراء الفرنسيون وقتها يحاربون على جبهتين ، جبهة النازي وجبهة حكومة " فيشي " العميلة ـ المتماثلة مع حكومة " المنطقة الخضراء " في العراق ، وسلكوا كل السبل الممكنة‎ بما فيها العلنية بالتحايل على السلطة أو السرية لنشر قصائدهم وبعد أن اكتشفت حكومة " فيشي " المخاطر  لهذا النوع من الشعر منعت نشره فإضطر الشعراء لنشر قصائدهم في صحف المقاومة السرية . ويعتبر " لويس اراجون " شاعر المقاومة الرئيسي بحق لما لعبه من دوركبير في الصراع من اجل بعث الروح الفرنسية ودرء مخاطر سقوطها مع مشاركته في معارك المقاومة وعمله كمساعد طبيب في صفوفها شعر المقاومة السوفيتية بما ان الجبهة السوفيتية كانت من أكثر الجبهات التهاباً حيث قدمت ما يقارب العشرين مليون شهيد ، وحيث أن المثقفين ـ ومنهم الشعراء ـ كانوا يعيشون أحلك أيامهم ، فالوطن يعاني من هجوم هتلري ، والطموح في توطيد السلطة السوفيتية بعد اشتداد بأس الثورة االإشتراكية تدوس عليه عجلات النازية . وبما أن النضال كان من اجل طرد المعتدي والتشبث بالأرض كان لا بد للشعراء ـ الذين إنخرط أكثرهم في المقاومة أن يتجهوا بشعرهم للإنسان وتصوير بطولته في الدفاع عن هذه الأرض مع التأكيد على التجربة النضالية والإجتماعية والشخصية ان هذه البطولة الفردية يمكن النص عليها بأنها كانت ظاهرة فنية وفكرية معاً في شعر المقاومة السوفيتي . يقول " إيليا سليفنسكي " وهو يرى سبعة آلاف جثة من ضحايا النازية مصوراً المأساة تلك : "لكل منهم حركة خاصة الى حد مذهل " هذا إضافة الى قصائد اخرى ذات ابعاد انسانية نبيلة و شاملة شعر المقاومة الأسبانية كان للوضع الأسباني مكان متميز بحكم الفاشية المقيتة وبحكم نضال الجمهورية الوليدة فإنتكاسها بتحالف الفرانكوية والنازية ، وكان المثقفون في اللب من هذه الأحداث حيث المشاركة الرائعة ، ولعل "فيديريكو جارسيا لوركا " يعد من الشعراء المبرزين في شعر المقاومة الأسبانية . فهذا الشاعر الذي لقي مصرعه في المقاومة وكان من المولعين بالطبيعة وحياة الغجر والفقراء وأكثر قرباً للتراث الشعبي شعر المقاومة التشيلية يبرز هنا اسم طالما دوت حروفه في اسبانيا ألا وهو الشاعر الشيلي " بابلونيرودا " فقد شارك بحرب المقاومة الأسبانية كمقاتل وشاعر ، وسخر حرفه لكل الفقراء والمضطهدين الحالمين ببناء عالم جديد خال من العسف والأحقاد والفاشية .. ويعتبر "نيرودا " من شعراء الطبيعة الأوائل بين شعراء المقاومة . وكانت له أسبانيا صورة اخرى من تشيلي وكل البلدان التي تعاني من الطغيان . كما انه يصحب الطبيعة مع خلفيات المأساةشعر المقاومة البلغارية يعتبر " فاسيلي فابتزاروف " أكثر شعراء المقاومة البلغارية شهرة والتهاباً في مقاومة الفاشية ، لقد ظهر في وقت انحازت فيه بلغاريا في بدايات الحرب العالمية الثانية الى جانب النازية . وكان فابتزاروف لا يألو جهداً في هجومه الاذع على الفاشية في صحيفة " النقد الأدبي " من ذلك قوله : بدلا من القافية تنفجر قنبلة وتتألق السماء بالصواريخ النارية وتلف الحرائق المدينة كلها " ..ان شعر المقاومة التركية يعتبر الشاعر " ناظم حكمت " ممن اثروا الحياة الأدبية التركية التقدمية بخيرة القصائد . اذ كانت قصائده هجومية في حربها مع الفاشية الحاكمة في تركيا ، او مساهمتها في فضح و تعرية ومقاومة النازية في اوربا . هذا الشاعر الذي عرف الزنازين وجرب الحرمان وصبت قصائده في اغنية رائعة اسمها الوطن : " وضع الشاعر في الجنة فصرخ قائلا : آه يا وطني .. " ولقد تأثر به كثير من الشعراء العرب في الخمسينات الشعر الأمريكيفي مجتمع حيث تعيش التناقضات وحيث الأمبريالية تكشر عن اسنانها الكاسرة على الضد من ارادة الشعوب يبرز أدب انساني تقدمي يرفض العدوان ويحلم بالسلام ومقارعة الاستعمار وحرب النازية الألمانية كما في اعمال " جون شتاينبك " وهارييت بيتشر ستو "ودفاع الكاتبة البيضاء " اثيل مانين " عن السود في مواجهة التفريق العنصري .اما مأساة فيتنام فقد حركت كثيراً من اقلام الشعراء التقدميين منهم "مورتون ماركوس شعر المقاومة الأفريقية يختلف الشعر هنا عن مثيله في اوروبا واسيا وذلك بسبب تاريخ هذه القارة السوداء مع الحضاره ومع الاستعمار وكفاحها الضاري ضد التخلف والعنصرية مع انه يتفق وشعر المقاومة العالمية من حيث انسانيته ونضاله من اجل الحرية . وقد برز شعراء مشهورون هنا " أوغسطينو نيتو " وغيره . وتعتبر قصيدة " كونتيه " للشاعر الغيني بعنوان " الشهداء " نموذجاً حياً لشعر المقاومة الأفريقية .شعر المقاومة الفسطينية بما ان القضية الفلسطينية تعتبر العمود الفقري في الصراع الدائر في منطقتنا او على صعيد العالم . وحيث يواصل العدوان الصهيوني المدعوم من الأمبريالية هجومه المسعور على الشعب الفلسطيني . وتنهض المقاومة البطولية على امتداد التاريخ وتأخذ طابعاً جذريا منذ اواسط الستينات ولحد الآن في وجه هذا العدوان و الأغتصاب ، نقول يأخذ الشعر دوره في العملية الثورية تجده في اللب منها مقاتلاً على جبهات مختلفة .لعلنا ندرك تماماً كيف تحولت القصيدة الى لغة خنادق قتالية متنقلة في معارك بيروت البطولية أو الى دعوة للأضراب في فلسطين والشاعر الثوري إن تعرض لشتى أنواع التنكيل والإضطهاد والحرمان فإن هذا لا يثنيه أن يبقى مخلصاً لحرفه غير آبه بمصيره . انه الذي " يحمل روحه على راحة يده " . حتى وإن حكموا عليه بالصمت فهم لايملكون القدرة " على حرمانه من حقه في أن يحب بلده " أراجون أو " أن يحبسوا نار الكفاح " توفيق زياد "لا بد من التنويه الى الدور الذي لعبه شعر المقاومة في مصر والجزائر ضد المستعمرين الإنكليز والفرنسيين في اوائل ومنتصف القرن الماضي والى دور الأدب الشعبي العراقي في ثورة العشرين المجيدة ونضاله الثوري ضد الانكليز الغزاة ، وشعر الثلاثينات و الأربعينات والخمسينات أيام الانتفاضات العارمة التي شهدها الشارع العراقي ولا ننسى شعراءنا الأماجد امثال : محمد مهدي الجواهري ، وأحمد الصافي النجفي ، محمد صالح بحر العلوم ، و بدر شاكر السياب ، و سعدي يوسف ، و مظفر النواب ، وبلند الحيدري ، ولميعة عمارة ، و أحمد مطر ، والفقير ، وجليل حيدر ، والشاعرة د . أميرة عبد العزيز ، والشّاعرة إيمان رسول الكوفي ، والشاعر د . وليد الصراف ، والشّاعرة بلقيس الجنابي ، وغيرهم .