ما زال ملف النفايات يُرخي بثقله على الوضع البيئي، لكن هذه المرة كان مشهد التداعيات مختلفاً، إذ استقبل لبنان حشرات طائرة بأعداد ضخمة تجمّعت وهجمت، لم تعرف وجهة معينة أو منطقة محدّدة، بل كان الجميع هدفاً لها، بأشكالٍ غريبة وأخرى مألوفة، وتكوّنت فرقها بين برغش، بعوض، وذباب، إكتسحت المدن. أما الوزارات المعنية فاكتفت بالتحذير، ومنها من رمت مسؤولية تقصيرها وألقت اللوم على الحرارة المرتفعة، وكأنها تصيب لبنان للمرة الاولى. شهدت مناطق لبنانية عدة منذ صباح السبت، عاصفة حشرات طائرة ضربت طول الساحل اللبناني، أوحَت للبنانيين وكأنّ الحرب العالمية الاولى عادت بجرادها الذي اكتسح مناطق عدة آنذاك، حيث غطى البرغش العديد من البلدات الساحلية في الشمال والجنوب ولا سيما مدن طرابلس، صيدا، صور، والنبطية، إضافة الى بعض مناطق بيروت، مترافقاً مع غبار كثيف، ما جعل حال الطقس وكأنّها تشهد عاصفة رملية.

وزير البيئة محمد المشنوق غاب عن السمع، لم لا؟ فالمسألة لا تعني وزارته المنهمكة بقطف ثمار نجاحاتها في إدارة الملف البيئي، وتعزيز بيئة حاضنة للحشرات الطائرة والأمراض والفيروسات التي تتغذى من النفايات، إضافة الى انشغالها بصدّ تعليقات جميع المواطنين الذين يذكرون ملف النفايات على صفحة المشنوق الرسمية على «تويتر»، حيث وثّق العديد من الناس الرسائل التي وردتهم لتفيدهم بأنّ فريق الوزير الإعلامي ضغط على زر «البلوك» حتى لا تصل صرختهم، وكأنّ هذا الزر يطمر الحقيقة على أرض الواقع.

أمّا المواطنون الذين اعتادوا معالجة النتائج لمعرفتهم بأنّ الدولة لن تعالج الأسباب، فارتدى بعضهم الكمّامات لتوَقّي ابتلاع البرغش واستنشاقه. وفي صيدا أُصيب أحد العمال في المدينة الصناعية بتورّم في رقبته، ونُقل إلى المستشفى لتلقّي العلاج، وقد سُجّلت بعض الإصابات في المدينة بداء الحساسية والربو، خصوصاً بين الأطفال والعمال، فكميات النفايات التي ترمى في الشوارع، والمكبّات والمطامر المنتشرة في كل مكان، قد تؤدي إلى كوارث في ظل الطقس الحار. ويبدو أنّ البركة التي ترمى فيها النفايات قرب معمل النفايات، ومياه المجارير التي تصب في البحر، قد تكون ساهمت في هذه الموجة.

وأعلن رئيس بلدية صيدا محمد السعودي أنه أوعز إلى الفرق المختصة في البلدية القيام بحملة رش مبيدات في مختلف شوارع المدينة وأحيائها، لافتاً إلى أنّ الفرق ستعمل على بدء الحملة الإحترازية للقضاء على ما تبقى من البرغش، الذي ربما لا يزال موجوداً في أجواء المدينة.

أمّا في طرابلس فأطلقت ورش الطوارئ والحدائق في البلدية وجهاز المكافحة في اتحاد بلديات الفيحاء، آليّاتها وعمّالها، في حملة شاملة في مختلف أحياء المدينة ومناطقها وشوارعها لرش المبيدات المناسبة لمكافحة انتشار البعوض.

بدورها، واصلت بلدية بيروت رش المبيدات لمكافحة الحشرات، حيث كثّفت الورش التابعة لمصلحة الصحة العامة في بلدية بيروت أعمال رش المبيدات لمكافحة موجة الحشرات ولا سيما البعوض.

من جهته، أوضح المكتب الاعلامي لوزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، أنّ البيئة الحاضنة للحشرات التي شهدها لبنان أخيراً وارتفاع درجات الحرارة، أدّيا إلى ازدياد نسبة البعوض والذباب بشكل أعلى من المعتاد في بعض المناطق، ناصحاً بإزالة أيّ مياه راكدة وباستعمال الأدوية المنفّرة للبعوض على الجلد.

وكانت التجمّعات الشبابية في حارة الناعمة وجوارها اعتصمت في ساحة البلدة، إحتجاجاً على «الروائح الكريهة والسموم التي تنبعث من النفايات التي تنقل الى مطمر الناعمة»، على اعتبار أنّ «الضغوط السياسية الداخلية هي التي فرضت نفسها واستطاعت إيهام الأهالي بأنّ فتح المطمر هو الحل».

إذاً، ها هم مسؤولو لبنان «الأخضر» يخيّبون ظنونه مرة أخرى، هذا البلد الذي رفع الأرزة شعاراً له بدأ يعيد حساباته، فيما المسؤولون يتمسّكون يوماً بعد آخر بحججهم الواهية لتبرير فشلهم المدقع.