يذهب السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله إلى القول بأن أحكام الشريعة على نوعين أحكام الهية ثابتة ، وإلى أحكام حكومية إدارية متحولة وإن الملزم منها هو الأول منهما .

  وهذه قفزة نوعية في حقل الفقه الإسلامي والشيعي تحديداً  ولا يخفى على المتابعين من أهل العلم بأن هذه القفزة تحسس منها الفقهاء التقليديون وذهب بهم الخوف إلى حد بعيد حتى قالوا بأن هذه القفزة سوف تطيح  بمعظم نصوص الشريعة بحجة أنها نصوص تاريخية أي صالحة لتاريخ محدد وليس لكل تاريخ ! وحينها لا يبقى للشريعة عين ولا أثر !!

  وإن كان هذا الخوف مبرراً فإن الخوف المعاكس أيضاً مبرر أي  الخوف  على الشريعة النابع من الإعتقاد بأن كل النصوص في السنة النبوية هي فوق التاريخ فوق الزمان والمكان ، حينها سنضع الشريعة في مواجهة خاسرة مع منطق العقل ومنطق الواقع حيث العقل أوصلنا إلى درجة اليقين بأن بعض النصوص في السنة النبوية لا يمكن الإعتقاد بأنها فوق الزمان والمكان وبأنها فوق التاريخ .

  وعلى سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لتاريخية بعض النصوص في الشريعة يذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الرق ( الإستعباد )  ليس تشريعا إلهياً ثابتاً في التعامل مع أسرى الحرب ويستشهد على ذلك  بقوله تعالى
   { فإما مَنَّاً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } 
  حيث لم تذكر الآية سوى المن أو الفداء أي اطلاق سراحهم بفدية مالية فالإسترقاق والإستعباد حالة ناشئة من ظرف تاريخي ذلك أن منطق الحرب في ذلك الزمان كان يقوم على الإسترقاق وكان الإسلام مؤمنا بمبدأ التعامل بالمثل . إن فهم النصوص وبخاصة الروايات فهما يجعلها أحكاما ولائية حكومية إدارية تدبيرية غير إلهية ثابتة لهو قفزة نوعية في الحقل الفقهي في فهم نصوص الشريعة .

  وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضا فإن الفقيه الشهير المعاصر السيد محمود الهاشمي يذهب أو يميل على الأقل إلى فرضية أن خمس أرباح المكاسب حكم (  ولائي )  غير إلهي غير ثابت بمعنى أنه ضريبة يجعلها حاكم المسلمين الشرعي   وقد صادف أن جعلت خمساً وربما يجعلها الحاكم الشرعي اليوم أقل من الخمس أو أكثر منه تبعا لما يراه من المصلحة لصالح الشأن العام .

  إن هذه الفرضية حولت خمس أرباح المكاسب إلى حكم تدبيري غير إلهي أي إن المعصومين إنما فرضوه لمصالح تاريخية وقد تتغير هذه المصالح التاريخية ولذلك لم يكن خمس الأرباح واجبا لا في زمن النبي ص ولا في زمن 5 من الأئمة المعصومين ولا يُعْقَل أن يؤجل الله واجباً عظيما كخمس الأرباح إلى زمان الإمام السادس من المعصومين حيث لم يُعْلَم بأن الله أجل بيان واجب عظيم إلى ما بعد وفاة النبي ص !؟

  وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضا
  إن الإمام الخميني رحمه الله ذهب في أواخر حياته إلى القول بأن تحريم الشطرنج ليس تحريما إلهيا بعنوانها شطرنج ؟ بل لأنها كانت واحدة من الات القمار وحيث لم تعد اليوم كذلك فلا معنى للحكم بحرمتها أي يرى الإمام الخميني بأن الحكم بتحريم الشطرنج حكم تاريخي ينطلق من كون الشطرنج في ذلك التاريخ كان آلة للقمار لا حكم ثابت على الشطرنج بعنوانها شطرنج ليكون إلهياً 
   وعلى سبيل المثال لا الحصر ايضا 
  يذهب الفقيه المعاصر الشيخ يوسف الصانعي وغيره على اعتبار حرمة الربا الواردة في القرآن والحديث حكما تاريخيا بمعنى أن الربا الذي كان سائدا عصر النص ليس إلا الربا الإستهلاكي حيث يستدين الفقير فيه من الغني لكي يأكل لكي يستهلكه في معاشه لا لكي يستثمره في انتاج مالي أو مشروع اقتصادي ولهذا لم تكن الفوائد البنكية المعاصرة محرمة لاختصاص تلك النصوص بظرفها التاريخي
  نعم السنة النبوية تاريخية مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه وبغير ذلك لا يمكن أن نردم الهوة بين الشريعة والواقع بين الشريعة والعقل .