ليس جديداً الحديث عن عمليّة مراقبة الانتخابات. كثيراً ما سُلّط الضّوء على الأمر، وكثيراً أيضاً ما تكاثفت الجهود في سبيل إنجاح العمليّة. حقبة وزير الداخلية السابق زياد بارود كانت واحدة من أنجح، إن لم تكن الأنجح، على هذا الصّعيد. كرّس بارود جزءاً من عمله خلال الانتخابات البلدية والاختيارية في العام 2010 لفتح المجال أمام "ممارسة" حقّ المراقبة. يومها، أصدر الرّجل دليلاً مفصّلاً حمل عنوان "دليل المراقبين ووسائل الإعلام". تحدث فيه عن كلّ شاردةٍ وواردة تخصّ الانتخابات، وعلى رأسها عمليّة اعتماد المراقبين. جاء ذلك استكمالاً لـ "وحدة تنسيق المراقبين" الّتي أنشأتها الوزارة، للمرّة الثّانية، من أجل تسهيل دور المراقبين.

كان ذلك بعضاً من واجبٍ تكاثفت فيه يوماً جهود المؤسّسة الرّسميّة مع الجمعيّات الأهليّة والمدنيّة. لكن على الرّغم من ذلك، بقي هناك نقصٌ كثير. على حجمه، يُلخّص بكلمة: "المواطن". كان الأخير غائباً. هو معنيٌّ بشكلٍ رئيسيّ بـ "الحدث"، لكنّه في الوقت عينه منقطعٌ عنه. لبنانيّاً، ليس الأمر غريباً. هو شرخٌ أحدثته السّياسات المُتّبعة، بتفاصيلها المملّة، بين المواطن والمؤسّسة الرّسميّة.

اليوم، تسعى "الجمعيّة اللّبنانيّة من أجل ديموقراطيّة الانتخابات" (لادي) إلى كسر ذاك الجمود. ليس عابراً الإعلان عن دعوة المواطن/ النّاخب إلى الاشتراك بنفسه في عمليّة مراقبة الانتخابات البلدية والاختيارية للعام 2016. كيف ذلك؟ إطلاق تطبيقٍ إلكترونيّ على الهواتف الذّكيّة يحمل اسم LADE ، والقيام بإرسال المخالفة الّتي يرصدونها مع الصّورة أو الفيديو المسجّل في حال وجودهما. بعد التّأكّد من المخالفة، عبر فريق مراقبين متخصّص، تقوم الجمعيّة بنشر المخالفة على الموقع الإلكترونيّ. تفسح هذه الخطوة المجال أمام اللبنانيّين لرؤية المخالفة على الخرائط. ليتمّ بعد ذلك نشرها في تقارير تُعدّها الجمعيّة وتعمّمها على وسائل الإعلام. فتُصبح على الملأ، وبرسم المعنيّين. لا يتوقّف الأمر على "الاشتراك من بعيد". "لادي" فتحت المجال كذلك أمام الرّاغبين في المشاركة في عملية المراقبة والتّواصل مع تنسيقيّات الجمعيّة في المناطق اللبنانية كافة. كما دعت الجمعيّة الهيئات غير الحكومية والجامعات الراغبة في الانضمام إلى "التحالف اللبناني لمراقبة الانتخابات"، التواصل مع الجمعيّة من أجل المشاركة في المراقبة.

للاطّلاع على تفاصيل أكثر زيارة موقعها الالكتروني www.lade.org.lb.

كيف تشترك بالتّطبيق؟

الأمر غاية في البساطة. ليس عليك سوى تحميل التّطبيق على هاتفك الخلويّ. اختيار مستخدم جديد، وضع البريد الإلكتروني الخاصّ، وكلمة سر، مع رقم الهاتف. بعد ذلك يُمكنك متابعة الأخبار الخاصّة بالانتخابات الّتي تغطّيها الجمعيّة. وكذلك التّبليغ عن المخالفات عبر تحميل الصّور أو مقاطع الفيديو. مع ضرورة الالتفات إلى أنّ الحفاظ على سرّيّة المصدر هو أساس عمل الجمعيّة.

أبعد من تطبيق إلكتروني..

 

يتعدّى الأمر "مواكبة إلكترونيّة متطوّرة" للانتخابات، ليصل إلى فكرة أعمق من ذلك: ترسيخ مفهوم المحاسبة كحقّ يُمارسه المواطن، وكسر الجمود والشّرخ القائمين بين الرّئيس والمرؤوس. للأمر دلالاتٌ كثيرة. هو ليس بالبساطة الّتي قد يبدو عليها. وحتماً، يحتاج إلى تعميق التّفكير قليلاً.

ما يُعوزه الجسم اللّبنانيّ اليوم، بعد تمديدين نيابيّين خلال العامين 2013- 2014، هو كسر روتين "الاعتياد". ومعناه؟ إعادة إطلاق جرس إنذار "اللّاشرعيّة" من جديد. الأمر بحاجة إلى عمل، وعملٍ كثير. خطوة بخطوة تسعى الجمعيّة إلى إعادة الأمور إلى نصابها. وما خطوة إشراك المواطن في عمليّة المراقبة، فالمحاسبة سوى على طريق ذاك الهدف.

عراقيل ومخالفات

 

بعد شهرٍ من اليوم، تجري الانتخابات البلديّة والاختياريّة. في الشّارع إصرارٌ كبير على إجرائها في مواعيدها. "لادي" ليست بعيدةً عن نبض الشّارع. تنقل، وهي دخلت اليوم عامها العشرين، صوتهم. "النّاس أصبحوا مدركين دور البلديات الإنمائي وهم مصرّون على تفعيل هذا الدّور والحفاظ عليه". استكمالاً لدورها الرّياديّ في متابعة الانتخابات، تضع الجمعيّة مشاهداتها حول الأجواء السياسية والإجراءات التحضيرية في الفترة التّحضيريّة للانتخابات البلدية. تتحدّث عن سيناريوهاتٍ مرتقبة للتّمديد للمجالس النيابية، واضعةً الأمر في خانة "التأثير السلبي" على التّحضيرات للعملية الانتخابية. وبين هذه السّيناريوهات تعود الجمعيّة لتأكيد المؤكّد: إجراء الانتخابات ليس خياراً، بل واجبٌ على المؤسسات الدّستوريّة وحقٌّ للنّاخبين.

لا يقتصر الأمر على "عراقيل الإشاعات". هنا، عراقيل حقيقيّة. وزارة الدّاخلية لمّا تفتح بعد أبواب التّرشيح ولمّا تحدّد مواعيد واضحة بالنّسبة لإقفال باب التّرشّح وسحب التّرشيحات في الأيام القليلة المقبلة. وقد انتهى العمل على القوائم الانتخابية في 31 آذار من العام الحاليّ، أي قبل أسبوع. وبناءً عليه، تدعو "لادي" الوزارة إلى فتح باب التّرشيح وتحديد المواعيد بشكلٍ واضح.

تستكمل الجمعيّة عدّ العراقيل. تتحدّث عن عدم تطبيق مجلس الوزراء الأجزاء الخاصة بإنشاء هيئة الإشراف على الحملات الانتخابيّة للمرشّحين وتنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيّين، وكذلك تنظيم الإنفاق والتمويل على الانتخابات في البلديات والمخترة وفرعيّة جزّين النّيابيّة. (لملء شغور مقعد النّائب الراحل ميشال حلو). وفي ذلك مخالفة للقوانين المرعيّة الإجراء.

هنا، العرقلة الأكبر. في 16 كانون الثّاني من العام الحاليّ، سلّمت الجمعيّة طلباً إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق تطلب فيه الحصول على اعتمادات لمراقبيها من أجل التمكّن من مراقبة تحضيرات قوائم النّاخبين والتّدريبات الخاصّة في هيئات القلم ومراكز الاقتراع خلال الانتخابات. إلا أنّ كلّ ما حصلت عليه كان تعهّداً شفهّياً، وليس ردّاً مكتوباً، من قبله، حول تسهيل حصول مراقبي الجمعيّة على بطاقات المراقبين من الوزارة.

( السفير)