لم يكن محمد صفوت يتوقع أن يأتي اليوم الذي يقف فيه وحيدا يتذكر والده ووالدته وثلاثا من أخواته الذين ابتلعهم البحر قبل أسبوعين فقط وهم يحاولون جميعا ركوب أمواج البحر للهروب من لبنان وسط أمواج أخرى من اللاجئين الحالمين بالوصول إلى أوروبا.

وقال محمد، الذي كان يتحدث لمراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية وهو واقف في شرفة منزل العائلة في الضاحية الجنوبية ببيروت “هذا هو قضاء الله، ماذا سنجني لو بكينا وبكينا وبكينا. أكره منظر البحر الآن”.

ولكنّ كره البحر ليس إحساسا عاما، ففي مدينة طرابلس الشمالية ذات الأغلبية السنة كان هناك مطرب محلي يبتسم وهو يستمع إلى رسالة صوتية وصلته للتو على واتسآب من حفيدته البالغة من العمر 4 سنوات فور وصولها مع عائلتها إلى إحدى الجزر اليونانية.

وقالت الفتاة الصغيرة التي يسيطر عليها الحماس “جدي إني أفتقدك كثيرا! المياه أتت علي ودخلت القارب ثم شعرت بالغثيان”، قبل أن يأتي صوت والدها من الخلف وهو يقول “قولي لجدك مع السلامة يا عزيزتي”.

وباتت العائلات اللبنانية على استعداد أكثر من أي وقت مضى لمصاحبة العائلات السورية في ركوب الأمواج بحثا عن الضفة الأخرى في أوروبا. ويتوقع مسؤولون لبنانيون أن مؤشر هذه الظاهرة يتجه نحو الصعود هذا العام.

وبعد مرور خمسة وعشرين عاما على انتهاء الحرب الأهلية التي أطلقت شرارة موجة من المهاجرين إلى أوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، عاد الشباب اللبنانيون إلى البحث عن طرق للفرار مرة أخرى.

وتتركز دوافع فرارهم هذه المرة في فساد مستشر وفراغ سياسي ومعدلات بطالة متزايدة وعدم مساواة ومعدلات فقر مرتفعة.

ويسافر اللبنانيون أولا إلى تركيا على متن عبارة أو طائرة من طرابلس أو بيروت، إذ لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى الأراضي التركية.

ومن هناك، يبدأون في البحث عن مهربين محليين حيث يقومون بدفع ألف أو ألفي دولار ثمن استقلال مركب صغير إلى أقرب الجزر اليونانية. ومع الاقتراب من الشاطئ يقفز المهاجرون إلى الماء لاستكمال المسافة المتبقية سباحة.

ويتوجه أغلب المهاجرين إلى أثينا، ومن هناك إلى ألمانيا أو السويد على متن قطار أو سيرا على الأقدام.

ويعاني لبنان من غياب الاستقرار على مدار خمسة أعوام من الحرب في سوريا، التي أثرت على المجتمع الصغير المكون من 18 طائفة، ويعيش فيه أكثر من مليون سوري.

ويعطل حزب الله، الميليشيا المسلحة التي تحظى بدعم وتمويل سخيين من إيران وتهيمن على الطائفة الشيعية في لبنان، انتخاب رئيس للبلاد منذ مايو 2014.

وقال محلل لبناني لـ”العرب” إن لبنان “لا يزال من الصعب إلغاؤه وتحويله إلى مجرّد تابع لإيران، على الرغم من تراكم الفضائح بكلّ أنواعها وأشكالها، بدءا بفضيحة الإنترنت والنفايات والدعارة والمتاجرة بالبشر والإهمال الذي يتعرّض له مطار رفيق الحريري… ووصولا إلى الفضيحة الأكبر المتمثلة في منع حزب الله اللبنانيين من أن يكون لديهم رئيس للجمهورية”.

وأدى هذا الشلل السياسي إلى غياب قدرة الحكومة على اتخاذ أي قرارات بما في ذلك إزالة تلال من القمامة المتراكمة في شوارع بيروت.

ونتج عن ذلك محاولة عائلات لبنانية الهروب من الروائح الكريهة والأمراض الناتجة عن القمامة والمخاطرة بالتسلل للعيش داخل بلدات آمنة نسبيا في سوريا.

ويقول سائق من طرابلس، سافر ابنه على متن قارب إلى اليونان، وتمكن لاحقا من الوصول إلى السويد بعد رحلة استغرقت أسبوعين “أنا سعيد لأن ابني في أوروبا”.

وأضاف “لو نجح في الحصول على الجنسية فربما يتمكن من أخذنا معه. ماذا لدينا هنا لنبقى من أجله؟ لدينا الكثير من القصص المشابهة هنا لأنه لا أحد يريد أن يبقى في لبنان”.

 

صحيفة العرب