العلاقة الجنسية والعلاقة العدوانية مختلفتان جداً من الناحية التفسيرية. فالجنس هو أداء، ووسيلة استرخاء ولهو، ومتعة جسَدية مع الشريك، كما هو وسيلة للتخفيف من التوتّر الجنسي وأيضاً الإنجاب. أضِف إلى ذلك أنّ الجنس يؤكّد الذات جنسياً عبر إبراز القدرة على استمالة الشريك، وصولاً إلى الرغبة "بامتلاكه".

وهذا التفسير يمكن أن يأخذ أبعاداً نفسية وصولاً إلى العدوانية الجنسية.العملية الجنسية مهمّة في حياة الإنسان ولها فوائد جمّة على الصعيدين النفسي والجسدي. ولا يمكن اعتبار العملية الجنسية "حرام" إلّا إذا كانت خارج الأطر الاجتماعية والأدبية التي يفرضها القانون والمجتمع على حدّ سواء. لذا يختلف مفهوم "الجنس" من بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر.

الجنس لحياة أفضل

تؤكّد الدراسات العلمية – الجنسية وجود فوائد عديدة للجنس ومنها: تهدئة القلق، والحدّ من حالات التوتّر والإحباط. كما تشير الكثير من الدراسات العلمية الحديثة إلى أنّ الجنس يساعد في إبعاد "شبح الاكتئاب" عن الإنسان ومعالجة الأرَق الليلي... إلى جانب العديد من الفوائد النفسية.

أمّا بالنسبة للفوائد الجسدية، فيساعد الجنس على حرق الدهون وتعزيز جهاز المناعة، وتألّق البشرة وتنظيم الدورة الشهرية، بالإضافة إلى تنشيط الدورة الدموية، وتقوية العضلات... وممارسة الجنس بطريقة انتظامية تسهِم في الحدّ من سرطان الثدي والرحم وتهدئة نوبات الصداع النصفي.

الجنس القاتل

يؤكّد علماء الجنس أنّ العلاقة الجنسية بطبيعتها تتّسم "بالعنف"، ولكنّ هذا لا يعني العنفَ الذي تحدّده الكتب النفسية، كالضرب والعدوانية والصفع والإيذاء اللفظي والمعنوي... بل يُقصَد "الاندفاع الغرائزي" الذي يحدث خلال العلاقة الجنسية، وهذا طبيعي.

إنّما في بعض الأحيان، تصبح "هذه الاندفاعية" أعنف وأكثر "عدوانية"، وهنا يمكن التكلّم عن "الحالة الساديّة الجنسية" التي حدّدها "الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية"، بأنّها "اضطراب يؤدّي إلى إستخدام العنف في العمل الجنسي، وإلى معاناة نفسية أو جسدية لدى الطرف الآخر في العلاقة الجنسية.

هذه المعاناة تسبّب إثارة جنسية لدى الشخص السادي، ما يَدفعه إلى القوّة والعنف المفرط في الممارسة مع الشريك وإلى إلحاق الأذى الجسدي به، والذي قد يصل إلى درجة القتل".

وتتلذّذ الشخصية الساديّة برؤية عذاب الشريك وصولاً إلى الذروة الجنسية حتّى في غياب علاقة جنسية كاملة.

في هذا النوع من الاضطراب الجنسي، اختلاط ما بين العدوانية والجنس، ويمكن تفسير العدوانية هنا كتعبير عن "الذكورية"، ويأتي الفعل الجنسي للتفريغ عن "الحاجة" ووجود مشاكل علائقية كبيرة خلال مرحلة الطفولة، ومنها التحرّش الجنسي والإيذاء النفسي - الجسدي من شخص راشد. ولكن هل هناك علاقة ما بين "العنف" والجنس؟ الجواب: "نعم".

العنف عند الشهوة

المشاعر العدوانية تزيد الشعور باللذة عند كلّ مِن الذكر والأنثى في العلاقة الجنسية. وذكر أبُو التحليل النفسي "فرويد" أنّ "إيقاع الألم في العلاقة الجنسية أمرٌ طبيعي، إذا بقيَ في نطاق إحداث وتصاعد الرغبة الجنسية دون إلحاق الأذى بالآخر".

ويمكن أن تتحوّل الإثارة الجنسية العنيفة التي لا يتمّ إشباعها إلى شعور بالتوتّر وإلى ارتكاب الشخص لأيّ عنف أو عدوان. تشجّع الإثارة الجنسية الكبيرة على القيام بممارسة سلوك عنفي، فالتعرّض إلى مواقف شديدة الإثارة، كالاستعراض مثلاً، يمكن أن يرتبط بزيادة احتمال ممارسة العنف خلال العملية الجنسية، كما يمكن أن يسهّل الغضب والسلوك العدواني الفعلي نحو الغير بدون أن يكون الهدف منه العدوان الجنسي. والتغييرات الهورمونية التي ترتبط بهرمون الاندروجين تزيد كلّاً من الإثارة الجنسية وسلوك العدوان.

وفي الختام، لا تسيطر على الإنسان فقط غرائزُه بل يتميّز بثقافته وبالقيَم والنظم الاجتماعية والدينية والفلسفية التي تساعده على السيطرة على غرائزه الجنسية ومنها العدوانية خلال عمله الجنسي.

( الجمهورية)