لا تنظر أوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع بأيّ ارتياحٍ الى المرحلة المقبلة على البلاد بدءاً من الاسبوع الجاري الذي يُتوقع ان تنطلق منه شرارات تجاذباتٍ سياسية جديدة على مستوى الحكومة ومجلس النواب حول العديد من الملفات المطروحة أمامهما.

وترى هذه الاوساط، ان الأجواء التي سادت البلاد في الأيام الأخيرة على خلفية تجدُّد مؤشرات التوتر بين المملكة العربية السعودية ولبنان ، وإن في إطار مؤسساتٍ إعلامية سعودية وليس في اطارٍ رسمي من خلال اقفال مكتب محطة “العربية” في بيروت او حادث اقتحام مكاتب صحيفة “الشرق الاوسط”، ستنعكس بقوّة على الصراعات الداخلية بمزيدٍ من الانقسام والحدة، خصوصاً بين غالبية قوى “14 آذار” و”حزب الله”، نظراً الى ما أشاعه الحادثان مجدداً من تفاعلات سلبية إعلامية وسياسية وحتى شعبية.

وتقول الأوساط نفسها ان موضوع العلاقة بين لبنان والسعودية والدول الخليجية بدا كأنه عاد الى نقطة الصفر دفعة واحدة، الأمر الذي رسم علامات شكوك واسعة حول مستقبل المعالجات المطروحة لهذه الأزمة وما اذا كان لا يزال ممكناً احتواء الكثير من سلبياتها.

ولعلّ ما يقلق هذه الأوساط ان غالبية القوى اللبنانية تبدو عاجزة تماماً عن تبديل المعادلة السلبية التي بات عليها لبنان بين مطرقةِ التأثيرات السلبية الواسعة لتدخلات “حزب الله” خارج الاراضي اللبنانية، والتي استنفرت دول الخليج والدول العربية ضد الحزب، وبين اندفاع أجواء خليجية اعلامية وسياسية وديبلوماسية عدائية للبنان برمّته جراء ممارسات “حزب الله” وارتباطاته بالسياسة الايرانية التوسعية في المنطقة.

وتخشى الاوساط المطلعة ان تنعكس ارتدادات الموجة الجديدة من هذه التوترات على الوضع السياسي الداخلي، بحيث تزداد حدة التجاذبات والتداعيات المحتملة، علماً ان ملف أزمة الفراغ الرئاسي سيكون النقطة الأكثر هشاشة لتلقي هذه الانعكاسات. فإذا كانت زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تزال مغلفة بكثير من الغموض حيال تأثيرها على مسار الأزمة، فان المواقف التي أطلقها زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية، من منزل مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، اول من امس، رفعت منسوب التحدي والتنافس بينه وبين زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون، الى سقف مرتفع جداً من خلال قوله ان “الأقوى في طائفته قد يكون الأخطر عليها”، الأمر الذي يصعب معه توقُّع آفاق ايجابية قريبة للأزمة.

وتشير الاوساط نفسها الى ان ثمة ملفات اخرى ستتأثر بشدّة بأجواء التوترات الداخلية والخارجية ومن أبرزها الخلاف الناشئ حول عقد مجلس النواب جلسات للتشريع يضغط رئيس البرلمان نبيه بري بقوة لعقدها ويسانده فيها «حزب الله»، ولكن سيكون من الصعوبة بمكان ان يوافق عليها الفريق العوني و”القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” كلٌّ من منطلقات خاصة به. وستتخذ هذه المسألة طابعاً خطراً جداً لان هناك اولويات ملحة تتعلق بمشاريع تحتاج الى التصديق والإقرار من اجل حصول لبنان على دعم دولي عبرها، لا سيما في ملف النازحين السوريين. كما يتداخل في هذه القضية ملف قانون الإنتخاب الذي سيطرح بري مصيره على طاولة الحوار الوطني في جولته المقبلة في 20 ابريل الجاري، ولكن ليست هناك اي معطيات تسمح بترقُّب مرونة او حلحلة تقود الى تسوية حول القانون وتالياً فإن التوافق على جلسات التشريع لا يبدو متاحاً اطلاقاً.

وتخشى الأوساط من ان تكون المرحلة الطالعة مفتوحة على مزيد من التصعيد السياسي الذي من شأنه ان يعطل فعالية الحكومة ويشلّها مجدداً كما لن يسمح بأي تفعيلٍ لمجلس النواب، علماً ان هذه المخاوف بدأت تذهب في اتجاهات أمنية وسط سيناريوات تتناول الانتخابات البلدية والاختيارية المقرَّرة ابتداء من 8 أيارالمقبل، وعلى أربع مراحل.

الراي