أعلنت كتلة الصدر النيابية رفضها المشاركة في الحكومة المرتقبة، منتقدة منح البرلمان العبادي مهلة تنتهي غدا الخميس (31/03/2016).

وقال رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي النائب ضياء الأسدي إنّ كتلته "رفضت بيان البرلمان، الذي يتعلق بالوضع السياسي والتعديل الوزاري، لأن المدة المحددة لرئيس الوزراء طويلة جداً". وأضاف أنّ "البيان لم يذكر إنهاء مبدأ المحاصصة، الذي هو أساس اعتراضنا". وأشار الأسدي بذلك إلى المهلة الأخيرة، التي منحها مجلس النواب العراقي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، لتقديم تشكيلته الوزاريّة، التي تنتهي يوم غد الخميس(31/03/2016)، ملوّحا باستجوابه في حال عجزه عن ذلك.

وبذلك، يكون الصدر قد أحرج العبادي ثلاث مرات بعد تمديد مهلة السبت إلى الخميس. فهو: أولا، قد أحرجه باعتصام أنصاره عند بوابات المنطقة الخضراء من دون تصريح رسمي؛ وثانيا، بدخوله المنطقة الخضراء من دون امتلاك استمارة هوية دخولها المعروفة؛ وثالثا، بسحبه بساط الشارع العراقي من تحت قدمي رئيس الوزراء المترددة في السير بخطوات إصلاح جذري.

وهكذا، وضع الصدر العبادي بين فكي كماشة: إما الاستجابة لشروط الصدر والخروج من عباءة المحاصصة الطائفية؛ أو دفعه إلى خيار حل مجلس النواب وتعديل الدستور. ذلك في وقت ضيّقت فيه غالبية كتل التحالف الوطني الخناق على العبادي لعدم الانجرار مع الصدر إلى  نهاية المشوار.

وقد تكون مهلة البرلمان الأخيرة، القشة التي تنقذ العبادي، أو التي تقصم ظهره بعد أن أغلق  الصدر جميع الطرق بوجهه، وفق مراقبين، يرون أن مهلة البرلمان الأخيرة، قد تكون طوق النجاة، الذي ينتشل العبادي من التيار الجارف المحيط به عبر تقديم نصف تشكيلة وزارية موافية لشروط الصدر مع تأجيل النصف الثاني إلى مرحلة مقبلة، ليخرج بذلك من حرج  الرضوخ الكامل لشروط الصدر. وفي الوقت نفسه، قد تؤجل خطوة تقديم نصف التشكيلة أمر الذهاب إلى حل مجلس النواب وتجميد الدستور.

وما يؤكد هذه الرؤية أن اجتماع "التحالف الوطني" الحاكم في العراق انقسم في آخر لقاء له بين مؤيّد لحيدر العبادي ومؤيّد للسيد مقتدى الصدر، بينما يحاول العبادي إيجاد حلٍّ للخروج من المأزق السياسي الخطير. وقد صرح العبادي بعد مغادرته الاجتماع بأنه سيعرض تشكيلة وزارية من تسع وزارات على البرلمان، وأنه سيستكملها على مراحل.

وقد أكدت تسريبات من مصادر قيادية في "التحالف" أن الاتفاق قد تم على تغيير خمسة وزراء في الحكومة. بينما تستمر المشاورات مع "التحالف الكردستاني" و"اتحاد القوى العراقية" للاتفاق على بقية الوزارات، التي سيتولى إدارتها مرشحون منها. وأكدت التسريبات أيضا أن الإعلان عن التعديل الوزاري سيكون على مرحلتين. ومن المقرر أن يتوجه رئيس الوزراء، بعد انتهاء محادثاته مع الكتلة الكردية والسنية، إلى زعيم "التيار الصدري" في خيمته بالمنطقة الخضراء لعرضها عليه، ونيل موافقته، وهو أمر يبقى مرهوناً بالصدر نفسه.

وقد أشار نائب برلماني عن "التحالف الوطني" أنّ العبادي لوّح بتقديم استقالته في حال فشله بتقديم الحكومة، أو استمرار التضييق عليه من قبل الصدر، بينما تبحث كتلة "المواطن" المنضوية ضمن "التحالف"، تشكيل حكومة من أكثرية سياسية، في حال فشل العبادي بتشكيل "حكومة التكنوقراط".

هذا، ويرى الخبير السياسي رافع عبد الجليل أنّ الانقسام داخل كتل "التحالف الوطني" أجج الأزمة السياسيّة. وقال عبد الجليل، إن صراع الزعامات داخل "التحالف" كان سببا لكل تلك الأزمة، وإنّ التدخّل الإيراني واضح للتسوية، مبيّناً أنّ طهران لا تقبل بتفكك التحالف في كل الأحوال، وأنها مستمرّة بالتشاور مع أطرافه يومياً، وستتمكن خلال اليومين الأخيرين من تسوية الأزمة.

بيد أن الخبير السياسي سمير عبيد يطرح سؤالا: هل إن إيران راضية بما يفعله السيد مقتدى الصدر؟ والجواب: كلا! لكن إيران ستكون مرغَمة على مسايرة الصدر، ولا سيما أنه لم يقطع شعرة معاوية مع الإيرانيين رغم رفضه القبول بأن يكون الخامنئي "مرشده".

ويضيف سمير عبيد أن طارئا قد يطرأ ويختفي الصدر من المشهد السياسي، خاصة أن هناك معركة حامية الوطيس تدور على خلافة المرجع الديني السيد السيستاني. ويستطرد سمير عبيد قائلا إن الإسلام السياسي في العراق قد ينتهي بالطريقة نفسها، التي انتهى بها في مصر، إذا خرجت الأمور عن السيطرة وتدخلت إرادات دولية.

ومع استمرار هذه التطورات والاحتمالات، تزداد أعداد المعتصمين من أتباع الصدر عند بوابات المنطقة الخضراء، تقابلها تعزيزات عسكرية كبيرة وانتشار أمني لصد أيّ تحرك. وقد تم شحن الجو الأمني والسياسي في العراق حتى وصل إلى الذروة. وفي ظلّ ذلك، يترقب الشارع بحذر كيف ستؤول إليه الأمور، في بلد لم يشهد استقراراً منذ 13 عاماً.

 من جانبه، قال الصدر ليلة أمس (29/03/2016)، في رسالة فيديو وجهها إلى المعتصمين، "إننا سنذهب إلى  سحب الثقة، وليس إلى استجواب العبادي تحت قبة البرلمان في حالة عدم استجابة العبادي لمهلة الخميس. وهدد الصدر حيدر العبادي قائلا: "لقد خيبتَ آمال الشعب وعليك أن تـصبَّ غـضبك على الفاسـدين وليس على المعتصمين، وإذا لم تنجز إصلاحاتك الخميس سنتحول من "شلع" إلى "شلع قلع".

وبهده الرسالة الجلية، تكون الأمور قد بلغت ذروتها، وقد تخرج عن السيطرة، خاصة أن ما يجري على ما يبدو في غياب صمام الأمان منذ سحب السيستاني يده من الحديث في السياسية في الخامس من فبراير/شباط الماضي، وإن كانت مصادر مطلعة،  قد أشارت إلى أن السيستاني ليس بعيدا عما يجري من حراك واحتكاك، ولعله سيكون هو صمام الأمان الفعلي لأي طارئ  قد يخرج بالأمور عن السيطرة.

وتتحدث أوساط عراقية قريبة من كواليس المشهد السياسي عن أن العراق قد يعود إلى النصف الثاني من عام 2004.

ويبررون تحليلهم  ذلك بأن الخروج من عباءة المحاصصة السياسية، يعني الخروج من عباءة العملية السياسية، التي جاءت بالدستور ومؤسساته، والتي ابتدأت بأول انتخابات نيابية جرت في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2004.

وهنا يستذكر المراقبون بيان السيستاني في 5-1-2004، والذي دعا فيها الأمم المتحدة إلى الإشراف على أول عملية انتخابية.

وقد يفعلها السيستاني مرة أخرى إن دعت الحاجة وتطلب الأمر تجميد الدستور وحل مجلس النواب، وهو أمر وارد إذا رفض البرلمان تشكيلة العبادي الوزارية وطالب باستجوابه.

 

روسيا اليوم