شكلت زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاخيرة للبنان مناسبة ليعيد وزير الخارجية جبران باسيل احياء «فزاعة» توطين النازحين السوريين، التي ابتكرها منذ صدور القرار الاممي الرقم 2254 بشأن ترتيب حل سياسي للازمة السورية، وذلك رغم تطابق النفي الحكومي المطلق للامر مع النفي الدولي له.

فباسيل الذي لم يكتفِ، مع «حزب الله«، حليف تياره، بتخريب العلاقات بدول الخليج العربي، استثمر الزيارة لتخريب علاقات لبنان بالمجتمع الدولي باعتباره ان اموال المساعدات، المخصصة اساساً لدعم المجتمع اللبناني واقتصاده في تحمل اعباء النزوح، هي مجرد مؤامرة لتوطينهم وإن بشكل مقنّع.

فقد خاض باسيل مواجهة مع الامم المتحدة لوصفها عودة النازحين بـ«الطوعية» في القرار 2245 ولاحقا في مؤتمر «فيينا 2» عندما أصرّ على استبدال كلمة «الطوعية« بكلمة «الآمنة«. ومؤخرا في مؤتمر لندن في شباط الماضي رغم ان هدفه الواضح كان «مساعدة النازحين الى حين تمكنهم من العودة بأمان الى بلدهم عندما تصبح الظروف مؤاتية والحؤول دون توطينهم الدائم».

فهو لم يكتفِ بالامتناع عن استقبال كي مون او توديعه او المشاركة في اي من لقاءاته، انما اعقب مغادرته بمؤتمر صحافي قال فيه «زيارة بان مع كل ما رافقها من اخطاء هي تفصيل من ضمن المقاربة الدولية لموضوع النازحين»..

ومن دون تسمية، أتى رد رئيس الحكومة تمام سلام واضحاً عندما قال في تصريح صحافي «في حين تتسابق الاردن وتركيا على الاستئثار بالمساعدات ماذا نفعل نحن؟ نشكك في الدعم ونضعه في اطار مشاريع لم تطرح معنا لا من قريب ولا من بعيد». وهو شدد على ذلك اول امس في افتتاح «مؤتمر التكامل المصرفي العربي« بقوله «من المعيب ان نطلب المساعدة للنازحين السوريين وعندما تأتي نشكك بنوايا حاملها».

كما ان الامم المتحدة بدأت منذ مطلع 2015 بنفي اي فكرة توطين كما ورد حينها على لسان منسق انشطتها في لبنان روس ماونتن اذ اكد ان «لا خطة لتوطين اللاجئين في لبنان بل هناك نية لاعادة توطين عدد منهم في بلدان اخرى» لم يسمها.

ويتساءل سياسي لبناني مخضرم عن كيفية اختراع اسطورة توطين السوريين في حين انه مضى اكثر من 60 عاما على وجود اللاجئين الفلسطينيين هنا من دون ان يوطنوا، مذكرا بانهم ما زالوا يقدمون الشهداء على مذبح الدفاع عن حق العودة.

ويدرج المصدر المقولات التي تفتقر الى اي سند واقعي في اطار التعبئة الجماهيرية تغطية للارتباك الناجم من فقدانه الثقة بدعم «حزب الله» الفعلي لوصول النائب ميشال عون الى سدة الرئاسة لانه، باستثناء التأكيدات الشفهية لم يقدم على اي خطوة عملية من شأنها توفير النصاب القانوني لانتخابه.

اما «حزب الله« الذي رأى في كلمة الطوعية «مؤامرة» وفق أحد نوابه فهو كذلك مربك داخل بيئته الحاضنة، ليس فقط بسبب خسائره البشرية في سوريا، وانما كذلك بفعل عمليات الابعاد عن دول الخليج التي بدأت تطاول مناصريه ومحبيه. يضاف الى ذلك ما سيصيب اهل بيئته بدءاً من اواخر نيسان مع صدور المراسيم التطبيقية لقانون العقوبات المالية على المتعاملين معه الذي سبق ان صدر عن الكونغرس الاميركي، والذي لم تفلح زيارات الوفود في تخفيف انعكاساته، كما يؤكد مصدر مصرفي مطلع على حيثيات اللقاءات التي جمعت بعضهم بالمسؤولين الاميركيين.

فالمصارف اللبنانية، التي عقد المجلس النيابي «المشلول« جلسة خاصة لتمرير قوانين مطلوبة اميركياً لمكافحة الارهاب وتبييض الاموال، ستواجه فور صدور المراسيم معضلة التعامل مع من تسميه اللوائح الاميركية، افراداً او مؤسسات، عندها كيف سيكون الموقف الرسمي خصوصا في دفع وزارة الصحة مثلاً مستحقات لمستشفيات تخص الحزب خصوصاً ان ثمة مصرفاً واحداً على الاقل امتنع فوراً عن توطين رواتب لنواب الحزب. فلبنان، وفق المصدر المصرفي إما يلتزم موجبات المراسيم التطبيقية على حساب «حزب الله« او تصبح الدولة بكاملها مهددة لان هذا القطاع هو عصبها الرئيس.