تتخبط المرأة بين اتجاهات عدّة في حياتها عموماً، فهي محور الأسرة في الأمومة والتربيّة والعاطفة. وهي المرأة المنتجة والعاملة والنشيطة والقادرة على دعم بيتها وبناء أسرتها. لكن بين الداخل والخارج، تصارع المرأة بين النمطيّة التي اعتادتها، والتربيّة التي نشأت عليها. فهل تشعر الأم العاملة بالذنب نحو أولادها، خاصة إذا صرفها عملها عن الاهتمام بهم وتلبية متطلباتهم؟ وكيف يمكنها أن تتجاوز هذا الشعور؟ وإلى أي مدى يعتبر الزوج مسؤولاً عن شعور زوجته العاملة بالذنب؟

تفجّر الكاتبة المصرية الدكتورة عزة كامل، رئيسة مركز اتصالات، مفاجأة إذ تقول: "غالبية النساء اللواتي يشعرن بالذنب لتقصيرهن، هن من غير العاملات اللواتي يفتقرن الى الخبرة الحياتية والعلمية التي تتمتع بها المرأة العاملة، التي تكتسب كل يوم خبرات جديدة من خلال احتكاكها بالآخرين والاستفادة من تجاربهم، على عكس الأم غير العاملة، التي تكون حياتها رتيبة ومملة، مما ينعكس سلباً على أبنائها، ولهذا فهي تشعر بالذنب أكثر".

وتشير إلى أنها نجحت بالتعاون مع زوجها في وضع حزمة من الأولويات في حياتها، مما جعلها توازن بنجاح بين رعايتها لابنتها واستمرارها في عملها، حيث تعمل ابنتها حالياً مخرجة سينمائية.

أمّا عضو جمعية "أصوات النساء" رشا عيسى، فترى أن من الخطأ التعميم في هذه القضية الحيوية، فليست كل أم عاملة ناجحة في عملها ورعاية أولادها، وإنما كل حالة مستقلة بذاتها، وتعتمد على ثقافة الأم ومساعدة زوجها لها على تحقيق طموحها في العمل، وكذلك الظروف الأسرية والاجتماعية والبيئية المحيطة بها.

ويحاول رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر الدكتور عادل المدني، تحليل سيكولوجية الأم العاملة وشعورها أحياناً بالذنب نحو أبنائها، فيقول: "شعور المرأة بالفطرة أنها أمٌّ يجب أن تضحي من أجل فلذات كبدها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، يجعلها تشعر بالذنب، خاصةً إذا فشلت لظروف عملها في توفير الرعاية والحنان الكافي لأطفالها، وعدم وجود من يشكو إليه الطفل همومه أو يوجهه إلى الصواب والخطأ".

ويدعو الأم العاملة إلى ترتيب أولوياتها، ومحاولة إقناع الزوج بأنه عامل أساسي في نجاحها أو فشلها في التوفيق بين مسؤولياتها.

أمّا في سوريا، فتفيد ثريا البالغة من العمر 29 عاماً وتعمل موظفة في دائرة الخدمات الاجتماعيّة،: "أحب عملي بشغف، ولا أنكر أن الزواج أثر فيه، خصوصاً أنني أعيش منذ 5 سنوات في منزل واحد مع أهل زوجي مع ما يترتب على ذلك من التزامات كثيرة، لكن يبدو أنّهم لم يعتادوا كثيراً على فكرة التزام المرأة بدوامها الوظيفي، وكثيراً ما كنت أسمع منهم عبارات اللوم والتقصير في حقّ زوجي وابني، الى درجة أن أصبح تكرار الملاحظات يزعجني ويجعلني أشعر بأنني مقصّرة فعلاً".

أما "جمانة"، وهي مدرّسة في قسم التربية الفنيّة منذ حوالى 23 عاماً، فقد استطاعت أن تجد لنفسها مساحة كافية في تنظيم الوقت، وبناء مخطط لكلّ أسبوع منذ بدايتهعلى الرم من الصعوبة التي واجهتها في البداية في التوفيق بين التزامات البيت والتربية والأولاد والزوج، وبين الدوام المدرسي وتحضير الدروس المسائية.

رنا لديها أسرة مؤلفة من طفلين، بالإضافة إلى زوجها المغترب، وتقول: "لم أتصور أنني سأضعف يوماً وأتخلى عن تحصيلي العلمي ووظيفتي كممرضة في أحد المستشفيات لأصبح حبيسة الجدران الأربعة وأهتم فقط بتربية طفليّ ورعايتهما. كنت أستعد للسفر إلى روسيا في بعثة علميّة تؤهلني لأصبح قابلة قانونيّة، بالإضافة الى شهادة التمريض التي حزتها في بلدي سوريا، لكن سفر زوجي وأوضاعنا الماديّة المتردية أجبرتني على التخلي عن فرصتي تلك".

"يترافق الشعور بالذنب مع مستوى التربيّة التي يخضع لها الطفل منذ البداية"... هذا ما أكدته لنا شروق، الباحثة الاختصاصيّة في علم النفس، موضحة أن مستوى النشوء على تربية سليمة هو ما يحدد طموح المرأة المستقبلي بأنّ تصبح عاملة وقويّة وقادرة على أن تكون أكثر تفاعلاً وإيجابيّة مع أسرتها ومجتمعها، أو تبقى ضمن دائرة البيت، تسبح في فلكها الصغير، مع الاعتقاد بأنّ هذا هو عالمها، ولا يجوز لها أن تحلم بأكثر من ذلك.

حلول كثيرة، تقول الاختصاصيّة، يمكن للمرأة العاملة أن تلجأ اليها، مثل تسجيل أطفالها في دار للحضانة، مع متابعة أحوالهم باستمرار، أو تعويد أفراد أسرتها على مسألة غيابها اليومي عن البيت والذي يفرضه عليها دوام العمل، وتكريس هذا المفهوم لدى الطفل الذي سينمو ويقدّر مع مرور الوقت هذا الأمر الذي يحفزه ليكون عنصراً نشيطاً في مجتمعه.

وتؤكد على ضرورة نشر التوعية بين النساء والأسر من خلال الجمعيات الإنسانيّة ورفدها بمعلومات كافية للمقارنة بين المرأة العاملة وغير العاملة وقتل الشعور بالذنب بصورة تدريجيّة.

(لها)