وضع اندفاع مقتدى الصدر، نحو تصعيد حراكه الاحتجاجي المطالب بـ”الإصلاح”، زعيم التيار الصدري، مجدّدا، في مواجهة مباشرة مع غريمه التقليدي نوري المالكي، الذي خرج عن صمته ببيان حادّ اللهجة، حذّر فيه الصدر من المضي في تنظيم اعتصامه الذي يعتزم الشروع فيه الجمعة أمام المنطقة الخضراء.

والصدر والمالكي ليسا مجرّد غريمين سياسيين في صلب العائلة السياسية الشيعية، بل هما عدوّان تواجها بالسلاح سنة 2008 حين وجّه المالكي الذي كان يرأس الحكومة آنذاك الآلة العسكرية للدولة لكسر ميليشيا جيش المهدي بقيادة الصدر التي قويت شوكتها آنذاك بشكل كبير، في عملية عسكرية انطلقت في مارس من السنة المذكورة تحت اسم “صولة الفرسان”، وخلّفت مئات القتلى والجرحى وأفضت إلى تسليم الصدر بالهزيمة وإعلانه تجميد نشاط جيش المهدي.

ودأب مقتدى الصدر منذ إسقاط الاحتلال الأميركي لنظام الرئيس السابق صدّام حسين، ومجيء نظام الأحزاب الدينية، عن البحث عن مكانة سياسية كبيرة يرى نفسه جديرا بها، نظرا إلى مكانة عائلته في مجال التدين الشيعي ودورها في معارضة نظام حزب البعث، لكن ذلك لم يتحقّق له في ظلّ وجود شخصيات شيعية كانت أكثر منه نيلا لثقة إيران ذات الدور الكبير في تحديد ملامح المشهد السياسي العراقي. ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وأتيحت للصدر فرصة ذهبية في ظلّ شيوع الغضب الجماهيري من تردّي أوضاع العراق على مختلف المستويات، ومن شيوع الفساد وتعطّل قنوات الإصلاح، ليقفز إلى الواجهة كزعيم للحراك الاحتجاجي الذي بدأ يصعّده من مجرّد التظاهر في بغداد وعدّة مدن بجنوب العراق، إلى التهديد باقتحام المنطقة الخضراء، وأخيرا بقراره الاعتصام على أبوابها انطلاقا من الجمعة.

ويمثّل حراك الصدر خطرا مباشرا على المالكي من زاويتين أولهما شخصية، والثانية حزبية.

على مستوى شخصي يمكن اعتبار نوري المالكي معنيا بأي حراك في الشارع العراقي يطالب بالإصلاح وبمحاسبة الفاسدين، باعتباره من كبار رموز الفساد في العراق بحسب ما تثبته الأرقام والوقائع.

فبعض الأرقام المتداولة بين دوائر عراقية بعضها نيابي تبيّن أن المالكي أهدر خلال فترتي قيادته للحكومة العراقية بين سنتي 2006 و2014 ما يقارب 350 مليار دولار من مجموع حوالي 700 مليار جناها العراق خلال الفترة المذكورة من عائدات بيع النفط.

وبات معروفا على نطاق واسع مقدار الفساد في صفقات الدولة، بما في ذلك صفقات السلاح، وفي التوظيف بالقطاع العمومي، بما في ذلك بالقوات المسلّحة التي ضمّت عشرات الآلاف من “الجنود” الوهميين المعروفين بالفضائيين.

أما الوقائع فتبيّن أنّ المالكي حين غادر الحكم وترك منصب رئاسة الوزراء لحيدر العبادي، ترك العراق في حالة من شبه الانهيار والإفلاس على مختلف المستويات، حتى أن القوات المسلّحة بكلّ عدّتها وعتادها انهارت بشكل صادم أمام زحف بضع مئات من عناصر تنظيم داعش الذين احتلّوا ما يقارب ثلث مساحة البلد.

أما على المستوى الحزبي فأصبح مقتدى الصدر يهدّد قيادة حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه المالكي للدولة العراقية، من خلال ضغطه على رئيس الوزراء حيدر العبادي للتعجيل بتشكيل حكومة تكنوقراط، وزاد من تهديده بالتوجّه نحو الانسحاب من التحالف الوطني الذي يضم أحزابا شيعية أكبرها حزب الدعوة، كما شرع في السعي إلى تشكيل كتلة برلمانية بالتعاون مع زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، لتصبح منافسة لكتلة دولة القانون التي يتزعمها المالكي نفسه.

وتظهر مختلف هذه المعطيات مقدار الخطر الذي أصبح يشكله الصدر على المالكي، ما يفسر “العصبية” التي طبعت لهجة البيان الذي أصدره زعيم “دولة القانون” بشأن الاعتصامات التي يعتزم الصدر تنظيمها أمام المنطقة الخضراء.

وجاء في بيان المالكي بشأن تحرّكات الصدر “تلك التحركات هي محاولات لفتح ثغرة في جدار الوحدة الوطنية يتسلل من خلالها أعداء العراق والعملية السياسية، وليجدوا ضالتهم وفرصتهم لإسقاط العملية السياسية، وتتحرك البؤر المعادية لشعبنا كحزب البعث المقبور والعصابات الإجرامية والإرهابيين والطائفيين لينتقموا للضربات التي وجهناها لهم”، معتبرا “الاحتكام إلى الشارع خطأ ينتهي بتدمير البلد والمجتمع”.

وبلغ الأمر بالمالكي حدّ تهديد الصدر بقوة السلاح قائلا “السلاح يقابله سلاح والرجال يقابلهم رجال”.

وردّ التيار الصدري على بيان المالكي بالقول على لسان النائب بالبرلمان حاكم الزاملي “إن بيان دولة القانون حول الاعتصام المقبل هو بيان لأناس مفلسين”.

ومن جهته أعلن أمين عام منظمة بدر هادي العامري، الخميس، تحفظه على بيان ائتلاف دولة القانون و”اللغة القاسية” التي كتب بها، مشددا على ضرورة تغليب المصلحة العامة على كل المصالح الذاتية، فيما دعا “عقلاء القوم” إلى تدارك الموقف والبحث عن حل للأزمة من خلال الحوار.

ودعا المجلس الأعلى الإسلامي، بقيادة عمار الحكيم، الخميس “إلى اجتماع عاجل لقوى التحالف الوطني من أجل إيجاد الحلول السريعة للخطر الجدي”.

أما مقتدى الصدر فأكد، الخميس، المضي في إقامة الاعتصامات أمام بوابات المنطقة الخضراء، موجها خطابه إلى المحتجّين بالقول “لا تراجع، لا استسلام، لا صدام، لا سلاح، لا قطع طرق، لا اعتداء، لا عصيان للجان المسؤولة عن الاعتصام”.

ومأتى إصرار الصدر على المضي في التصعيد، رغم المحاذير والتهديدات، عدم استعداده لتضييع فرصة تاريخية لتجيير الحراك الاحتجاجي ليقبض على زعامة البلد التي لطالما اعتبرها حقّا أصيلا له حُرم منه طيلة السنوات الماضية.

 

 

صحيفة العرب