يولي رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري العائد حديثا للاستقرار في لبنان، أهمية قصوى لملف توحيد الصف السني بعد سلسلة المصالحات والتفاهمات التي شهدتها طوائف ومذاهب لبنانية أخرى والتي انعكس قسم منها مباشرة على الملف الرئاسي والتحالفات السياسية القائمة منذ أكثر من 11 عاما. ويبدأ الحريري حركته عشية الانتخابات البلدية المرتقبة مطلع شهر أيار المقبل، وهو يسعى لإتمام تفاهمات تسبق هذا الموعد ليستثمرها بإطار لوائح توافقية تجنب عدد من المناطق، حيث الأكثرية السنية معارك انتخابية طاحنة وأبرزها مدينة طرابلس الواقعة شمالي البلاد والتي شهدت منذ عام 2008 أكثر من جولة اقتتال أدّت لمقتل وجرح المئات.

 

ويجول الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري على فعاليات طرابلس بهدف تقريب وجهات النظر ومحاولة تجنيب المدينة صراعا انتخابيا، خاصة وأن معظم هذه الفعاليات اتفقت فيما بينها على قواعد أساسية للتعامل مع الاستحقاق المرتقب. وقال الحريري إن "اللقاءات ستستمر، ونحن منفتحون على الجميع وعلى المجتمع الأهلي الموجود في طرابلس، منفتحون بالمباشر وليس بالواسطة، وأي أمر يساعد سنصب جهدنا لتأمينه، إن كان عبر الدولة، أو عبر المؤسسات الدولية". وأوضح النائب السابق مصطفى علوش أنّه حتى الساعة "لا قرارات نهائية بما يتعلق بإتمام اتفاق في المدينة حول الاستحقاق البلدي"، لافتًا إلى أن "الأمور لا تزال في بداياتها وبإطار التشاور والحوار". وقال لـ"الشرق الأوسط": "عادة تعقد اتفاقات مماثلة قبل وقت قصير من موعد المعركة الانتخابية، ولعله في الآونة الحالية قد تكون الخيارات التي تجنب المدينة معركة كسر عضم غير مستبعدة".

من جهته، قال خلدون الشريف، المستشار السياسي للرئيس نجيب ميقاتي (وهو من الفعاليات الرئيسية في طرابلس) إن "هناك فارقا كبيرا بين طرح موضوع توحيد الصف السني من زاوية التكتلات أو من زاوية التفاهمات والمصالحات"، منبها من أن "أي تكتل مذهبي أو طائفي جديد لن يخدم المصلحة الوطنية العليا". وأوضح الشريف في تصريح لـ"الشرق الأوسط" أن "التلاقي السني الذي يندرج تحت سقف التلاقي الوطني، مرحب به"، وأضاف: "لكن في لبنان، هناك صعوبة في مكان بأن يتولى فريق سياسي واحد الإمساك بالقرار السياسي لطائفة أو مذهب ما نظرا لكون البلد بلد الثنائيات والثلاثيات والتعدديات، مما يجعل من المستحيل أن يصير السنة أو غيرهم صفا واحدا".

وأشار الشريف إلى أن هناك "محاولات للقاء ومشاريع للتلاقي مع (المستقبل)، لكن ليس تحت عنوان أن يصبح الجميع تحت مظلة الحريري"، مرجحًا أن تكون الانتخابات البلدية "مدخلا للتفاهم لتجنيب المناطق اللبنانية معارك انتخابية تؤدي لمحاصصات أو نزاعات تعطل العمل البلدي بدل تفعيله". وأضاف: "يمكن الحديث عن تفاهم تم، لا تحالف، بين الرئيس ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي على قواعد أساسية تقضي باختيار رئيس ديناميكي لرئاسة البلدية من دون الخوض في أسماء أعضاء المجلس البلدي تجنبا للاعتماد مبدأ المحاصصة"، معتبرًا أنّه قد يكون من المفيد أن يكون تيار "المستقبل" جزءا من هذا التفاهم. ولفت أخيرا إلى التقارب المستجد بين الحريري ورئيس حزب "الاتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد والذي يُعتبر أقرب إلى فريق 8 آذار، وفيما أعلن الأخير عن اتفاق على أن تكون الكلمة موحدة على الصعيد السنّي، ترددت معلومات عن تفاهم تم بينهما على خوض الانتخابات البلدية في منطقة البقاع الغربي بلوائح توافقية.

بدوره، قال عماد الحوت، النائب عن "الجماعة الإسلامية" لـ"الشرق الأوسط" أن هناك "تواصلا لتحقيق الوحدة في الصف السني"، مشددًا على أن "هذه الحركة مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس بهدف الانعزال، بل لأن الوحدة السنية أساسية لنهوض البلد". وأضاف: "لبنان بخطر وهناك من يسعى لاستهداف وحدة الصف اللبناني كما اختراق الطوائف والمذاهب المختلفة، مما يستدعي الوحدة على الأصعدة كافة". وكان الزعيمان المسيحيان، رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون المنتمي إلى فريق 8 آذار ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع المنتمي لقوى 14 آذار، أعلنا أخيرا عن جملة من التفاهمات الوطنية وأبرزها الاتفاق على تأييد عون لرئاسة الجمهورية. أما الزعيمان الدرزيان رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط الأقرب إلى 14 آذار ورئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان المحسوب على 8 آذار فعقدا في وقت سابق أيضًا مصالحة وتفاهما بمسعى لوحدة الصف الدرزي، لتبقى ثنائية أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري تسيّر الطائفة الشيعية.

ولا تقتصر المساعي لوحدة الصف السني على القوى السياسية بل تقوم المرجعيات الروحية وعلى رأسها دار الفتوى بجهود في هذا الإطار. وشدّد الشيخ مالك الجديدة، رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية والرئيس السابق لهيئة العلماء المسلمين على أهمية "الوحدة السنية كما الوطنية في المرحلة الحالية للحفاظ على الهوية والانتماء العربي والتنوع اللبناني". وقال لـ"الشرق الأوسط": "لن يستطيع أي من الفرقاء بأن يختطف هذه الهوية، وقد يكون من واجبنا الشرعي كعلماء حاليا العمل من أجل الوحدة واللقاء وتعزيز صفنا الداخلي ليس للاستقواء على أحد بل لنكون أقوياء لخدمة بلدنا".

(الشرق الأوسط)