يستند خطاب «حزب الله» الموجّه سواء لحلفائه أو لأخصامه أو لأعدائه، لجمهوره، أو بالمطلق لنفسه، الى ثلاثية: المظلومية، «المحبوبية»، الانتصارية. 

المظلومية لها موارد عديدة في هذا الخطاب، منها ما هو مستلّ من التراث الديني، لألفية ونصف الى الوراء وبشكل متواصل وتراكمي من يومها، ومنها ما يوظّف معطيات اجتماعية أو ثقافية من زمن غير بعيد تتصل بموقع الشيعة في التركيبة العثمانية فاللبنانية. 

ولئن كانت المظلومية تجربة مريرة، فإن الانتصارية التي تصاحبها في خطاب الحزب، هي أقرب لخلطة بين فكرة الحتمية التاريخية وبين مغامرات سوبرمان وغرندايزر وبين رؤية مزدكية لصراع الخير والشر والظلمة والنور. 

أما المحبوبية، فهي ما سُعِدَ بها الحزب مطولاً منذ التسعينيات، الى سنوات خلت، من ان شعبيته، وخصوصاً شعبية أمينه العام، صارت واسعة في طول العالمين العربي والاسلامي وعرضيهما، وفي حركات التحرر عبر العالم. وهذا لم يكن متوقعاً مثلاً في الثمانينيات يوم كانت شعبية صدام حسين هي المتصدرة للمشهد بعد انتصاره على ايران، التي سريعاً ما هبط تلقي ثورتها عربياً من المحبوبية الى المكروهية، ولم يكن «حزب الله» الثمانينيات باستثناء عن مجمل الموقف من ايران، في حين اختلف الوضع في التسعينيات. الحزب الذي تصدر مشهدية تحرير الجنوب، وزعيمه الكاريزمي المفوّه، بلغ شعبية عربية استثنائية في وقت من الأوقات، بل أنه ورغم احتدام الصراع المذهبي الدموي في العراق بعد التدخل الاميركي ـ البريطاني، ظل الشارع العربي يرفض احتساب «حزب الله» في خانة مذهبية صرف لسنوات، وبقيت الحال على هذا المنوال لسنوات عديدة بعد تحوّل الحزب الى بلاء مسلّط على باقي اللبنانيين في اثر الجلاء السوري، وسعيه إلى وراثة الوصاية المنهكة المنسحبة، واستخدامه السلاح في الداخل.

ماذا بقي للحزب من مظلومية بعد تدخله في سوريا؟ أين انتصاريته في هذا الاستنزاف المتواصل؟ سؤالان بمقدور الحزب حتماً التنصل منهما سجالياً والقول انها المظلومية الحقة لأنها مؤامرة على المقاومة، وعلى المقام، في آن. وطبعاً ليس ما يمنعه أن يرى نفسه ينتصر أو سينتصر، كونه يحدّد نفسه معيار النصر، ويحتفظ بحقه في تعديل المعيار أنّى دعت الحاجة. 

الشيء الوحيد الذي لا يمكن الحزب المكابرة عليه هو انقلاب محبوبيته الواسعة في التسعينيات الى مكروهية واسعة منذ سنوات، والاتساع المتعاظم لهذه المكروهية. بعض الانفعالات الهستيرية التي شهدناها في اليومين الأخيرين تعكس محاولة غير موفقة للتهرب من هذه الواقعة: مكروهية الحزب. 

نعم، الحزب شعبي عند الممانعين. لكن الملايين أيضاً باتت تكنّ شعوراً سلبياً جدياً له: بين العرب لأنهم ينظرون له كحصان طروادة الايراني، وفي ايران عند شرائح واسعة من الناس تنظر اليه كـ «باسيج عربي»، كأن «الباسيج الايراني» لوحده لا يكفي. لبنانياً، معظم الأطراف المناوئة للحزب ترتفع شعبيتها ما أن تصعّد كلامياً ضده. ما الذي يعنيه هذا غير جوف عميق يعج بـ «المكروهية»؟!

أما سوريا، فحدّث ولا حرج. الذين يحمّلون الحزب مسؤولية جسيمة عن نكبتهم هم شريحة ضخمة، بل ان النظام الأسدي نفسه، في أوساطه، سترتفع شعبيته ان هو حاول أن يضع حداً لاستباحة الحزب اللبناني أراضي سوريّة!