لم يبق للبنانيين هذه الأيام، بعد شغور المنصب الرئاسي الأول، وشلل الندوة البرلمانية، وعجز الحكومة عن التصدي للمسائل الحياتية، كرفع النفايات من الشوارع، إلى الوضع الاقتصادي المزري، إلاّ شبح الاضطراب الأمني. صحيح أنّ حلقات الحوار كانت قد بشّرت ووعدت بتنفيس الاحتقان بين الطوائف والمذاهب، حتى اعتبرها وزير المال، الناطق باسم الرئيس برّي حزام الأمان للبنانيين، وخاصة حوار حزب الله-المستقبل، ومن ثمّ طاولة الحوار الوطني الموسّعة ،والتي يجمعها الرئيس برّي في عين التينة ،علّها تعالج المشاكل المستعصية، وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للجمهورية المعطّلة، وحوار القوات-التيار الوطني الحر، الذي أنتج توافقاً عجيبا غريبا على الموضوع الرئاسي، ساهم في التعطيل أكثر مما ساهم في الحلحلة.
  بالعودة إلى حوار حزب الله المستقبل، فقد راهن رعاةُ هذا الحوار وابطاله على تنفيس الاحتقان بين السّنة والشيعة داخل الطائفة الإسلامية، وتجنّب المتحاورون بحث المسائل الخلافية والمستعصية ،وقد طال أمد الحوار وسمع الناس جعجعة، ولم يروا طحيناً، ولا يعلم أحد ماذا يدور في هذه الاجتماعات، وعن ماذا تتمخّض ! في حين يتبارى مسؤولو الفريقين في تبادل الاتهامات والقدح والذم والتشهير، وبث التحريض المذهبي، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكأنّ طاولة الحوار غير قائمة فعلا. والأدهى من كل ذلك أنّ كلفة هذه المائدة العامرة في عين التينة من جيوب المكلّفين، وهذا الحوار الذي لم يساهم فعلا في تنفيس الاحتقان بين السّنة والشيعة، إلاّ أنّه زاد الاحتقان داخل كل طائفة على حدة.فلا الحزب يختصر الشيعة، ولا المستقبل يختزل السّنة. ولا يبدو أنّ الطرفين مؤهلان لنزع فتيل الأحقاد المذهبية المتنامية للأسف الشديد، وتبقى جمرا تحت الرماد.
  أمّا الحوار الموسّع ، فلطالما كان ملهاة، ومضيعة للوقت، يجتمعون على تنازعهم واختلاف مشاربهم ،يتبادلون التحيات والابتسامات، ويحافظ بعضهم على تجهّمه،ونادرا ما يتفقون، أمّا إذا وفقهم الله تعالى مرة واهتدوا إلى إجماع، كما حصل في شأن اتفاق بعبدا، فإنّ المتضرر الأول، سرعان ما تنصّل منه وغسل يديه، ناصحا بنقعه وشُرب مائه.
  تمرّ الأيام الغرباء، لا الحوارات تنفع، ولا الاحتقان يجد له منفذا، والأمن واستقراره على حافة الهاوية، جنباً إلى جنب مع المأزق الاقتصادي.