تترقب الأوساط الديبلوماسية التطوّرات المرتقبة في سوريا بعد دخولها اليوم مرحلة وقف النار الذي توصلت اليه موسكو وواشنطن بكثيرٍ من الحذر وسط هواجس كثيرة متصلة بقدرتهما على ضمان تنفيذه على وقع الإتهامات المتبادلة بينهما ومشاريع الإستدراج المتبادل الى وحول الأزمة ما أعطى الإتفاق وجهين متناقضين. فما هما؟ تلتقي التقارير الواردة من واشنطن وموسكو على اعتبار أنّ العاصمتين أمام امتحان جديد لترجمة التفاهم بينهما على وقف النار الذي تمّ التوصل اليه على الساحة السورية باستثناءات غير واضحة شملت منظمات وقوى إرهابية، من دون توضيح أمر مهم يتصل بوجود المستثنين على لائحة الإرهاب الروسية أو الأميركية، خصوصاً أنّ اللائحتين مختلفتان تماماً في الشكل والمضمون.

حتى الأمس القريب لم تكن العاصمتان قد حسمتا مضمون اللائحة المستثناة من وقف النار على المستويَين العسكري والجغرافي، فالتداخل بين مواقع القوى وخريطة السيطرة تتبدّل بين يوم وآخر، وخصوصاً في بعض المواقع الحساسة التي تبدّلت فيها السيطرة في الفترة الأخيرة بنحوٍ مغاير وتحديداً في بعض المناطق التي يتم فيها الدمج بين «داعش» و» جبهة النصرة» كلّ على حدة من جهة، وفصائل أخرى كانت تُحتسب على لائحة حلفاء الحلف الدولي من جهة أخرى.

وفي هذا المجال، تفيد تقارير ديبلوماسية واردة من واشنطن إنّ القلق الأميركي مردّه الى التشكيك في التزام الروس مقتضيات الإتفاق. إذ يعتقد الأميركيون أنّ الروس انحرفوا في عملياتهم العسكرية عن الخطة الأساسية التي دخلوا على أساسها الى سوريا، خصوصاً لجهة العمليات العسكرية التي خرقت تفاهمات مبدئية رسمت خطوطاً حمراً للتدخل الروسي.

يعترف الأميركيون بأنهم وافقوا على مضض على التدخل الروسي من دون أيّ غطاءٍ دولي على أساس أنّ الجانبين تلاقيا على ضرب الإرهاب الدولي المتمثل بـ»داعش» ومتفرعاتها فقط. وقد عمل الأميركيون ما في وسعهم على توحيد لائحة الإرهاب الروسية والأميركية لتكون المهمة الروسية مكملة لمهمة الحلف الدولي ومتمّمة لأهدافه وهو ما رغبت به القيادة العسكرية الروسية في بداية العملية قبل أن تنحرف عن المهمة الأولى.

ويعتقد الأميركيون أنّ كلّ الخطط الروسية تمّ تعديلها عقب إسقاط الطائرة الروسية فوق جبال التركمان في 24 تشرين الثاني 2015، فبات الهدف الروسي معاقبة تركيا بدلاً من الإقتصاص من الإرهابيين، وقد خاضوا لهذه الغاية سلسلة المعارك في الشمال السوري متناسين الهدفَ الأساسي بضرب «داعش» والمنظمات الإرهابية وهو ما رفع من مستوى التوتر بين البلدين، وتحديداً عند استهداف الفصائل السورية المعتدلة و»الجيش السوري الحر» وتلك التي ساهمت دول الحلف بتدريبها في السعودية وقطر وتركيا.

في المقابل، نقلت التقارير الواردة من موسكو أنّ القيادة الروسية تعالج الموقف من منظارها الهادف الى حماية النظام السوري ومواجهة الإرهاب في آن، وتأمين سيطرته مجدّداً على المدن الكبرى في الشمال السوري التي فقدها فضلاً عن عدم المَسّ بالساحل السوري حيث القواعد العسكرية الروسية البحرية القديمة منها في ميناءَي اللاذقية وطرطوس وتلك الجوّية الجديدة في قاعدة حميميم العسكرية في سهل اللاذقية.

ولا تعترف القيادة الروسية بأيّ لائحة للمجموعات الإرهابية، سواءٌ تلك التي وضعتها دول الحلف الدولي، أو تلك التي وضعتها القيادة الأردنية التي كُلِّفَت في مرحلة من المراحل وضعها وبقيت على خلاف كبير مع واشنطن ودول الحلف كافة، حيث تردّد أنه تمّ حصر اللائحة بمجموعتي «داعش» و»النصرة» من دون سواهما في اتفاق وقف النار الأخير ولم تُكرّسه القيادة الروسية بعد.

ومن هذه المنطلقات، تعترف التقارير الديبلوماسية بأنّ واشنطن حريصة على هدنة للحفاظ على الـ»ستاتيكو» القائم في سوريا اليوم لمنع سقوط حلب والشمال السوري كاملاً، ولو لمدة عشرة أشهر ليكون انتقال السلطة في واشنطن الحدّ الفاصل بين ما هو قائم اليوم من وضع وما يمكن أن تقول به القيادة الأميركية الجديدة، سواءٌ كانت ديموقراطية أم جمهورية.

فالرئيس باراك أوباما لا يريد أن يتعاطى بالملف السوري بغير ما تعاطى به الى اليوم على رغم حجم الإنتقادات الدولية التي تعرّض لها من المعارضة السورية ومن زملائه في دول الحلف، ولا يريد من موسكو سوى تخفيف جنوحها الى استخدام القوة لإستعادة حلب وهو ما سيشكل نكسة لحلفائها في المنطقة ولا سيما منهم السعوديين والأتراك.

وعلى هذه الأسس، تقول التقارير الديبلوماسية إنّ لإتفاق وقف النار المعلن وجهين متناقضين. فلم تلحظ التقارير الواردة من واشنطن وموسكو أيّ تفاهم جدي بينهما على ضمانه كاملاً.

وهو ما يفتح الباب أمام سيل من المفاجآت التي قد تقود الى النكث بالتعهدات التي قطعها النظام وحلفاؤه الإيرانيون من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى، واللذان لم يتوحّدا إلّا في شروطهما سوى على هدف واحد وهو الحفاظ على الستاتيكو القائم. وهو أمر طرح سؤالاً مشروعاً يقول: مَن منهما قادر على خرق الإتفاق أولاً؟

ولذلك سيبقى مستقبل وقف النار رهن ما قد يحصل سلباً أو إيجاباً. وفي الحالين وعند أيّ تطوّر لافت قد تدخل الحرب السورية مرحلة جديدة من العنف لا يمكن تقدير حجمها من الآن، فالطرفان يحشدان الألوف الجديدة من المقاتلين على مختلف الجبهات التي تخطّت الـ185 جبهة.