لم تطلب المملكة العربية السعودية من لبنان أو حتى "حزب الله" اعتذاراً. من السذاجة السياسي أن تحصر معركة مفتوحة من اليمن الى سوريا، بمطلب لفظي وشكلي لا يقدم ولا يؤخر، لا على صعيد العلاقات الدولية، ولا على الصعيد الداخلي. منذ اندلاع الأزمة عبر خبر وكالة "واس" نقلاً عن مصدر مسؤول بدا واضحاً أن المطلوب عزل "حزب الله" لبنانياً، ورفع الغطاء الممنوح له من قبل الدولة سياسياً ومالياً ودبلوماسياً، وليس اتخاذ أي خطوة تصب في خانة تصحيح ما جرى بمفعول رجعي.

وعلى الرغم من الإستياء السعودي الواضح من لبنان، وقدرة "حزب الله" على التحكم به، والتدثر خلفه على كافة الصعد، ما يؤمن له مشروعية محدودة، وقدرة على الإستمرار في مشاريعه العابرة للحدود، إلا أن المعركة السعودية ليست ضد لبنان، بل ضد "حزب الله" حصراً، كما تجزم مصادر مطلعة لـ"المدن".

بعد ايام من الإجراءات السعودية، وما تبعها من ردات فعل، بدأت تتضح الصورة، عطفاً على ما يجري في الإقليم المضطرب من سوريا وصولاً الى اليمن وما بينهما من ساحات مفتوحة بين المحور الإيراني والمحور السعودي، وقد ترقى الى مستوى الصدام المباشر مع "حزب الله" في حال دخلت المملكة على خط النار في سوريا، بالتزامن مع ترقب وصول الطائرات السعودية الى قاعد أنجرليك التركية.

لا شك أن السعودية تنظر اليوم إلى لبنان على أنه ساحة من ساحات الصراع مع المشروع المضاد، بغض النظر عن عدة المواجهة المطلوبة، إن كانت سياسية أو عسكرية – أمنية، لكن الثابت أن كل ما حاولت المملكة أن تقوله للبنان مفاده أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً على كل محاور النار في المنطقة، وبالتالي ممنوع على الدولة أن تغطي "حزب الله" بأي شكل من الأشكال. التهديد السعودي للبنان واضح، وهو عملياً يأتي بمفعول مستقبلي، وليس رجعياً، مع تأكيد أكثر من مصدر سياسي مطلع لـ"المدن" أن المعركة في المنطقة، التي ترقى الى حرب عالمية ثالثة، بدأت للتو والسعودية وضعت لبنان أمام إختبارات صعبة، وتترقب ما سيكون عليه واقع الحال في الأيام المقبلة.

أول مؤشرات الصدام بين "حزب الله" إنطلقت من اليمن عبر تصريحات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قبل أيام من الإجراءات السعودية، عن تورط "حزب الله" في بلاده، ليتبعه مؤخراً حملة مبرمجة، تضمنت تقريراً بثته قناة "العربية" يظهر أحد عناصر الحزب وهو يدرب مجموعة من الحوثيين ويوصيهم باستهداف المدنيين داخل السعودية، ثم إعلان من قبل الحكومة اليمنية أنها ستقدم ملفاً كاملاً إلى مجلس الأمن والجامعة العربية يثبت فيه التدخلات والممارسات الإرهابية للحزب.

المعركة ضد "حزب الله" التي إنطلقت من اليمن فرضت على لبنان تحديات جديدة، خصوصاً أنه سيكون لزاماً عليه التعاطي مع ملف دبلوماسي جديد أمام الجامعة العربية ومجلس الأمن. وتشير مصادر "المدن" إلى ان ما حصل في الفترة الماضية من تطورات بدأ يتفسر، بعد التصعيد ضد "حزب الله" في اليمن، بما أن الحكومة اللبنانية لن يكون بوسعها الدفاع عن "حزب الله" أمام الشرعية الدولية أو الأممية بعد اليوم، كما كانت تمارس سابقاً.

وعلى الرغم من كل التحليلات السابقة، وردة فعل "14 آذار"، إلا أن السعودية نجحت في اعادة تصويب المعركة الداخلية ضد "حزب الله"، حتى لو باتت الحكومة مهددة، وكذلك الحوار الثنائي بين الحزب وتيار "المستقبل"، وبالتالي نجحت أيضاً في سحب غطاء الدولة اللبنانية عبر حشرها بين التزاماتها العربية والدولية واستمرار سياستها الدفاعية عن "حزب الله".

وبإنتظار ما سيكون عليه موقف الدولة اللبنانية من ملف اليمن، وغيره من الملفات التي قد تفتح تباعاً، كما تكشف مصادر "المدن"، بدا بارزاً أن الغطاء اللبناني لم يسحب فقط على صعيد الحوار والحكومة، بل أيضاً على صعيد قوى "8 آذار"، خصوصاً أنه في الأيام الأخيرة لم يصدر أي موقف دفاعي، لا على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا على لسان رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، ولا حتى على لسان "التيار الوطني الحر" ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، على الرغم من حديث رئيس "التيار" ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عن "الوحدة الوطنية".

هذا الستاتيكو الداخلي الحساس الذي فرضته السعودية، هو ما حتم على تيار "المستقبل" تخفيض التمثيل خلال جولة الحوار الأخيرة مع "حزب الله"، خصوصاً ان الإتجاه كما بات معلوماً كان يشير إلى رفض عقد الجلسة لولا تدخل بري، وهو أيضاً ما فرض نقاشاً عالي السقف ضمن صفوف "14 آذار" حول الكثير من الممارسات السابقة التي أمنت غطاءاً سياسياً لـ"حزب الله"، إن كان على الصعيد الحكومي - الحواري، أو حتى على صعيد القضايا الأخرى، لعل أبرزها مشاركة تيار "المستقبل" في الوفد النيابي اللبناني الرسمي، الذي يزور واشنطن حالياً، للبحث في العقوبات الأميركية، وهو ما يعتبره البعض يصب في خانة منح "حزب الله" غطاءاً مالياً رسمياً، في حين كان من المفترض أن يترك الحزب لوحده ليحل هذه المشكلة، بما أنه وحده يتحمل مسؤولية أي انعكاسات على لبنان.

وعلى هامش موضوع الوفد الرسمي الذي يدافع عن "حزب الله" في واشنطن، يسجل البعض ما يعتبره فضيحة، خصوصاً أن الإدارة الأميركية، أكدت للوفد أن العقوبات هي ضد "حزب الله" وليس الدولة اللبنانية، التي لم تقصر سابقاً على الصعيد الداخلي في حماية "حزب الله"، إذ عقدت جلسة نيابية استثنائية تحت شعار "تشريع الضرورة"، لتشريع قوانين - كان الحزب يعرقلها قبل أعوام - فقط من أجل الإلتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة. -