على هامش الترددات السلبية لوقف الهبة السعودية وما تلاها من إجراءات مماثلة أكثر شمولية في دول مجلس التعاون الخليجي، ثمّة من يفكّر بعقل بارد عن بدائلها وانعكاساتها على برامج تسليح الجيش وتطويره بعيداً مِن مظاهر النزاع السنّي - الشيعي في المنطقة، والتي قادت إلى هذا القرار. فما هي النتائج التي آلَ إليها البحث عن البدائل؟

 

عند الحديث عن الهبة السعودية ينسى البعض، خصوصاً الذين انخرطوا في المواجهة العنيفة مع المملكة على خلفيات الأزمة بين الرياض وطهران وتداعياتها على مساحة العالم الإسلامي من المحيط إلى الخليج وامتداداً إلى الشرق الأدنى، أنّها من أكبر برامج الهبات لتسليح الجيش وتطويره في السنوات الستّ المقبلة، لكنّها ليست الوحيدة ولا يمكن أن تجمّد بقيّة البرامج القائمة أو تؤثّر في سيرها.

 

يدرك العارفون أنّ الهبة السعودية جاءت لتكملَ ما تقتضيه الاستراتيجية الجديدة لتسليح الجيش وتعزيز قدراته العسكرية قياساً على أهمّية ومقتضيات المواجهة التي يقودها، سواءٌ على مستوى أمن الداخل في مواجهة الإرهاب وخلاياه النائمة، أو على الحدود في مواجهة المجموعات المسلّحة التي تهدّد السيادة اللبنانية على مسافة عشرات الكيلومترات من الحدود المشتركة الفالتة بلا ضوابط بين لبنان وسوريا بعد المهمّات التي أنيطَت به منذ انتشاره جنوباً الى جانب القوات الدولية المعززة في الجنوب اللبناني التزاماً من لبنان بمضمون القرار 1701.

 

على هذه الخلفيات احتُسبت الهبة السعودية كقوّة دعم إضافية من خارج البرامج المخصّصة لتسليح الجيش التي أقرّت في الخطة الخمسية التي رَفعتها قيادة الجيش في إطار الاستراتيجية الدفاعية وأعلِن عنها في أيار 2013. هذه الخطة التي قضَت يومها بضرورة توفير أربعة مليارات و700 ألف دولار لتنفيذها كاملةً على أن تؤمّن الحكومة مبلغ مليار و300 مليون دولار من الخزينة اللبنانية من أصل الكلفة بمبلغ يراوح بين 200 و300 مليون دولار سنوياً.

 

وإلى جانب ما تقرّر في إطار هذه الخطة، تعهّدت الدول المانحة التي جَمعها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيّد ديريك بلامبلي في لقاء خاص لتوفير الدعم المطلوب للجيش اللبناني والقوى الأمنية في مشاركة المجموعة الأوروبية والدول الخمس الكبرى لتأمين المبالغ المتبقّية من الخطة بوسائل متعدّدة، فتوزّعت طريقة المساهمة فيها على مجموع هذه الدول، كلٌّ حسب اختياره وقدراته.

 

يومَها قضَت الخطة بإعادة تشكيل خمسة ألوية على الأقلّ وتجهيزها. وتعهّد بعض هذه الدوَل بتقديم الأسلحة على أنواعها، فيما تعهّدَت أخرى بإعادة تأهيل وتجهيز البعض منها وترميم منشآتها العسكرية ومعدّاتها على اختلافها، وهو ما أدّى إلى إطلاق عملية التجهيز استعداداً للاستحقاقات المقبلة والتي تزايدت مخاطرُها في ضوء تطورات الأزمة السورية والعمليات العسكرية التي اقتربَت من الحدود اللبنانية في الشمال بعد آب 2014 وعلى الحدود الشمالية - الشرقية عدا المواجهات في الداخل، سواءٌ في محيط المخيّمات الفلسطينية أو في مواجهة المجموعات الإرهابية النائمة على الساحة اللبنانية، إضافةً إلى هَم المخيّمات العشوائية للّاجئين السوريين والموزّعة في أكثر من 1400 نقطة.

 

عند هذه الحدود بدأ المسؤولون اللبنانيون احتسابَ الهبة السعودية على أنّها مكمّلة لخطة التجهيز العسكرية وجاءت بقيمتها التي بلغت ثلاثة مليارات من الدولارات لتعطي الخطة زخماً ليس معهوداً سابقا. والجيش لم يعرف خطوةً مثيلة لها منذ نشأته.

 

ولمزيدٍ مِن الإجراءات لتثبيت الهبة ومنع الصفة الشخصية عنها ومنعِ اعتبارها مكرمةً - قال العارفون بكثير من التفاصيل - أخَذ الفرنسيون واللبنانيون بنصيحة الخبَراء الماليين العارفين بشؤون الإدارة المالية للمملكة، فأجريَت العقود عبر وزارة المال السعودية لتكون من ضمن الموازنة العامة للدولة لتأمين ديمومتها.

 

لم تغِب عن أذهان المسؤولين الشكوك بإمكان التراجع عن الهبة في أيّ لحظة. وجاءت الروايات المسرّبة منذ أشهر لترفع منسوب هذه الشكوك بإمكان إتمامها على خير، إلى أن جاء الإجراء الأخير بقرار اتّخَذه مجلس الوزراء السعودي لينهيَ مسيرتها قبل أن تقلِع، تزامناً مع ما أصاب هبة المليار الرابع من مصير مماثل ردَّه البعض إلى اعتبارها هبة شخصية من الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ويقال إنّ على ورثته إتمامَ هذه الهبة إنْ شاؤوا ذلك، فهي لم تدخل الموازنة العامة للدولة.

 

وعليه تتّجه الأنظار إلى طريقة تعويض الهبة التي باتت إلى اليوم من الماضي. وإلى أن تنجح المساعي التي تُبذل لبنانياً وفرنسياً لاستعادتها، تقول المراجع المعنية إنّ لبنان تلقّى وعوداً بالتعويض عنها بهبات وعقود ميسّرة من مصادر الأسلحة نفسها. ومِن ضمن التعويض يمكن الإشارة إلى هبة الـ 150 مليون دولار الأميركية الجديدة التي حمَّلها المسؤولون الأميركيون لقائد الجيش العماد جان قهوجي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

 

تزامُناً، يبدو أنّ هناك وعوداً قطعَتها مصادر أخرى، وتحديداً دوَل أوروبّية سَبق لها أن قدّمت هبات مماثلة وذلك بعدما بات متعذّراً اللجوء إلى مصادر هبات من دوَل الخليج العربي نتيجة المحاولة الأخيرة الفاشلة للحصول على كمّية من الذخائر من دولة الإمارات العربية المتحدة التي انتهت إلى الرفض قبَيل وقفِ الهبة السعودية وللسبب عينه. فقد تبَلّغ المسؤولون اللبنانيون ما معناه «أبعِدوا مسلحي حزب الله عن الحدود اللبنانية - السورية لتصلَ الذخائر إلى الجيش. فماذا لو وقعَت في أيديهم؟!