إنّها التاسعة من ليل الأربعاء. وصل رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجيّة الى "مكانٍ ما" في الضاحية الجنوبيّة. استقبلهم أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله. كلام المجاملات استمرّ دقائق بين المضيف وضيوفه الثلاثة، قبل الدخول في صلب الموضوع: الاستحقاق الرئاسي.

  قدّم السيّد نصرالله، لمدّة نصف ساعة تقريباً، عرضاً شاملاً لما يحصل في المنطقة، من سوريا الى العراق واليمن، وصولاً الى ملف الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة وإيران ما بعد رفع الحظر. سلك "السيّد" طريق النزاعات المنتشرة في أكثر من رقعة جغرافيّة، قبل أن يعود الى لبنان، ليتحدّث بإسهاب عن واقع فريق 8 آذار وكيفيّة تعامله مع الاستحقاق الرئاسي، والفرصة السانحة أمامه لانتخاب رئيس من صلبه، على الرغم من عدم امتلاكه للأكثريّة النيابيّة.

وشرح نصرالله، بتسلسل رياضي، مراحل ما بعد الفراغ الرئاسي لافتاً الى أنّه كان واضحاً منذ البداية في إعلان موقفه الداعم للعماد عون لبلوغ قصر بعبدا، وكان منفتحاً على المبادرات والوساطات وعلى عمليّة الانفتاح التي قام بها عون وفرنجيّة باتجاه تيّار المستقبل ورئيسه سعد الحريري.   كان الضيوف الثلاثة مصغين الى كلام مضيفهم، مترقّبين ما سينتهي إليه، وكان هو يدخل في الكثير من التفاصيل ويتوقّف عند بعض المحطات، وخصوصاً عند ما حصل في الأسابيع الأخيرة حتى خلُص الى التشديد على أنّ الوقت حان لإنهاء حالة الفراغ الرئاسي وما يعاني منه اللبنانيّون نتيجة ذلك، خصوصاً على صعيد تعطيل المؤسسات الدستوريّة والتمديد للمجلس النيابي ورسم علامة استفهام حول مصير الانتخابات البلديّة والاختياريّة.

ولفت السيّد نصرالله الى أنّ وحدة "فريقنا السياسي يجب أن تشكّل أولويّة لدينا، ومصلحة البلد فوق مصالح الجميع، والمرحلة تستدعي تقديم تنازلات وهي تبقى متواضعة أمام عظمة الشهادة التي لم يتأخر كثيرون في الإقدام عليها في مواجهة الخطر الإرهابي الذي يعصف، ولا يزال، بلبنان".   توقّف السيّد نصرالله للحظات عن الكلام.

ابتسم متأملاً وجوه ضيوفه. شرب من كوب الماء الموضوع أمامه على الطاولة، ثمّ أكمل كلامه داعياً الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجيّة الى التعالي عن الاختلافات في وجهات النظر مع العماد ميشال عون، وهي بسيطة ويمكن تجاوزها بسهولة برأيه، وإعلان تأييد ترشيحه الذي يحظى بتأييد الأكثريّة الساحقة من النوّاب المسيحيّين ما يمنحه شرعيّة شعبيّة، "خصوصاً أنّ مشوارك السياسي يا سليمان بيك ما يزال طويلاً وكنت أقصد ما قلته عن إنّك نور العين، ونحن سنواصل الدرب معاً ولن يكون هذا الاستحقاق الأخير، بل أنّنا نتعهّد، وتعرف بأنّ وعدنا صادق، بأنّنا سنكون معك بعد ستّ سنوات لنخوض المعركة الانتخابيّة سويّاً لإيصالك الى سدّة الرئاسة".

ما كاد ينهي السيّد نصرالله كلامه حتى دخل الى الغرفة الصغيرة التي جمعته مع ضيوفه شابٌ يحمل قالب حلوى. اختار أمين عام حزب الله أن يجعل من عيد العماد عون، المصادف اليوم، مناسبةً لإعلان تأييده الجامع من فريق 8 آذار.  

لم يحصل هذا اللقاء فعلاً.لم يدعُ السيّد نصرالله حلفاءه الثلاثة الى لقاء، ولم يدعُ فرنجيّة الى الانسحاب لصالح عون ولا طلب من بري تأييد "الجنرال"، ولا، بالتأكيد، احتفل بعيد عون. لم يحصل شيءٌ ممّا ذكرناه في هذه السطور، إلا أنّ السؤال الذي لا يمكننا تجاهله هو: لماذا لا يحصل هذا السيناريو فعلاً؟

 

 

 

(داني حداد)