حدد حسن البنا المؤسس الأول للإخوان، آليات مشروعه نحو استعادة ما يسمى بالخلافة الإسلامية، في رسالته بالمؤتمر الخامس للتنظيم تحت عنوان “الإخوان المسلمون والخلافة”.

وقد رأى البنا في رسالته السابقة، أن الخلافة “رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها، والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام وبيان أحكام الإمامة لا تدع مجالا للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم، ويجعلوا فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم” حسب البنا.

 

ويبدو أن الخلافة تعد الهدف الأسمى لكل التيارات الإسلامية، باختلاف مسمياتها وأطيافها، وتحولت إلى تجارة رابحة، ومسمى جاذب لتجنيد المئات من الشباب، من دول عربية وإسلامية مختلفة، تحت وهم السعي إلى استعادة الخلافة الإسلامية، ولكن المحنة السياسية التي يمر بها التنظيم الدولي للإخوان حاليا جعلته يتنصل من الخطاب السابق للبنا، فالتمسك به في الوقت الراهن، لن يؤكد فقط الصلة الوثيقة بين الجماعات المتطرفة ومن يعلنون أنهم معتدلون، بل سيخصم من رصيدهم لدى دوائر أوروبية عدة، تبدو متعاطفة معهم، ولن يكون بمقدور البعض الدفاع عنهم، لأن الإخوان وداعش الذي تحط عليه اللعنات من الغرب والشرق، يلعبان في النهاية ضمن فريق واحد.

فخلال الأيام الماضية تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مسربا للقيادي الإخواني خيرت الشاطر (نائب المرشد العام للإخوان ومحكوم عليه في قضايا متعددة من قبل القضاء المصري) يعود إلى عام 2012، يتحدث فيه عن سعي الجماعة لإعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة. وفي التسريب المتداول، قال الشاطر “إن الجماعة لا تلتزم بالحدود بين الدول، فكل الدول ولايات إسلامية يجب ألا تفصلها حدود، واعتبرها من صنع الاستعمار، وأن الجماعة منتشرة في كل بقاع الأرض، وهدفها الخلافة وحكم العالم الإسلامي، تنفيذا لتعليمات مؤسسها حسن البنا الذي طالب بالسعي الجاد لإقامة الخلافة الإسلامية بعد وصول الجماعة إلى الحكم في مصر”.

وتتطابق هذه الفكرة بشكل تام مع الأفكار التي يتبناها تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية، فالإخوان المسلمون هم المحمل الأيديولوجي للعنف الذي يمارسه داعش بالكيفية التي هو عليها الآن. ويقول صبرة القاسمي رئيس الجبهة الوسطية لمقاومة التطرف لـ“العرب” “إن حسن البنا هو أول من أرسى سياسيا فكرة الخلافة الإسلامية في العصر الحديث”، وأكد القاسمي أن هناك تشابها غير خاف بين الإخوان وداعش في هذه الزاوية، فالتباين واضح في الأساليب والتكتيكات وهذا صحيح إلا أنه تباين يفسر أسباب تعاطف الإخوان مع الجماعات المتطرفة عموما، مضيفا أن “الخليفة أبوبكر البغدادي هو ابن غير شرعي بالمعنى السياسي لحسن البنا”.

ولعل تصريح يوسف القرضاوي الذي جاء في شكل فيديو انتشر في وقت سابق على مواقع التواصل الاجتماعي، اعترف فيه أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي كان من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، يوضح مدى الصلات التي تجمع الإخوان بداعش، فكأن الجماعة مدرسة لتخريج الإرهابيين الكبار على شاكلة البغدادي والظواهري وغيرهما.

وقال أحمد بان القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين لـ“العرب” إن ما يجمع داعش بالإخوان المسلمين هو نظرتهما إلى مسألة الخلافة على أنها فريضة واجبة، وليست من الأمور الفرعية. “فهما تنظيمان يتماثلان في تجاهل الفروق الجوهرية بين العصر الذي نعيش فيه، وعصر الخلفاء الراشدين، كما أنهما يتعاملان مع الفكرة بطريقة صماء، يسخران لها خطابا لم يعد مناسبا، جعل دوائر كثيرة، مسلمة وغير مسلمة، تنفر من مسألة الخلافة حتى لو كانت تحمل لدى البسطاء معاني نبيلة”.

وفي تقدير ماهر فرغلي الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أنه بعد سقوط حكم الإخوان في مصر منتصف عام 2013، حدثت انشقاقات كبيرة داخل الجماعة، وانخرط قطاع كبير من شبابها في صفوف الجماعات الجهادية، التي وفرت لهم ملاذا سياسيا، قد يحقق أفكارهم الغيبية، ويلبي رغبة الانتقام من بعض الأنظمة الحاكمة. وأضاف فرغلي لـ“العرب” أن قطاعا كبيرا من شباب التنظيم يؤمن بما يسمى “التأسيس الرابع للجماعة”، وهو الذي يعني إبعاد القيادات عن إدارة الجماعة، وعدم الارتباط بشخص المرشد، وعدم الإيمان بما يسمونه وفق أدبياتهم، “الخديعات الثلاث” وهي (الديمقراطية، والتوافق، وخدمة الشعب)، ولكنهم يؤمنون بالجهاد، والصراع على التحكم وليس الحكم، وأن السياسة لتحكيم شرع الله وليست لخدمة الناس، أي الوصول للخلافة حسب رؤيتهم.

وفي رأي الداعية محمد الأباصيري أن الفروق بين داعش والإخوان والقاعدة لا تكاد تذكر، خاصة بالنسبة إلى فكرة الخلافة. وأشار في تصريحات لـ“العرب” إلى أن كل التنظيمات الإسلامية الجهادية، بما فيها الإخوان، تعتبر حديث الخلافة من أصول الإسلام وتسعى لتحقيقه بكل الوسائل الخاصة.



المصدر: العرب