تندرج الزيارة التي يقوم بها الوفد النيابي الى الولايات المتحدة الاميركية في اطار المساعي التي يقودها لبنان الرسمي للتخفيف من تداعيات القانون الاميركي الأخير الذي يستهدف «حزب الله». فهل يمكن لهذه الزيارة ان تأتي بنتائج عملية تخفّف من مخاطر القانون على القطاع المالي عموما، والقطاع المصرفي خصوصاً؟

    هذه المرة، وعلى عكس الظروف الطبيعية التي منعت إنجاز الزيارة التي كان سيقوم بها وفد المصارف اللبنانية الى الولايات المتحدة الاميركية، وعلى رأس جدول أعمالها متابعة موضوع القانون الاميركي الرقم 2297 (2015)، والذي يهدف الى تجفيف منابع تمويل حزب الله، تبدو النشرة الجوية لأحوال الطقس ملائمة لاتمام الزيارة التي سيقوم بها الى واشنطن الوفد النيابي المكلّف من قبل رئيس المجلس نبيه بري، متابعة ملف العقوبات.

    لكن أحوال الطقس الملائمة، تقابلها ظروف واقعية تجعل من تحقيق خروقات في الملف الشائك من الامور المستبعدة. ويمكن ايراد الاسباب التالية للوصول الى هذا الاستنتاج المُسبق:

    اولا- ان القانون الاميركي الذي يسعى الوفد الى التخفيف من تداعياته، سبق ونوقش مطولا لمدة تقارب السنتين قبل التوافق على صيغته النهائية التي حازت على 425 صوتا مؤيدا في الكونغرس، في ظاهرة إجماع لا تتكرّر كل يوم.

  وقد شمل هذا الاجماع رجال الكونغرس من اصول لبنانية والذين يدعمون لبنان في المحافل الاميركية، في اشارة الى قناعة هؤلاء بأن القانون المقترح بات موجها حصريا الى حزب الله، ولم تعد الدولة اللبنانية او المصرف المركزي في لبنان هما مستهدفان أيضا بالقانون الجديد.

  ثانيا – ان الوفد غير مُزوّد باقتراحات بديلة يمكن أن يطرحها للمناقشة، بدليل ان الكلام الرسمي الصادر عن اعضاء الوفد لا يتحدث عن أهداف محددة تطاول القانون الجديد، بل يكتفون بالتشديد على التواصل وشرح موقف لبنان حيال احترام القوانين الدولية.

    ثالثا – ان التوقيت الذي تتم فيه الزيارة غير مناسب. واذا كان زوار واشنطن في هذه الحقبة، ممن يسعون الى جس نبض الأميركيين في الاستحقاق الرئاسي اللبناني قد لاحظوا ان المسؤولين الأميركيين لا يركزون كثيرا في محادثاتهم معهم، وعيونهم وآذانهم تذهب في اتجاه شاشات التلفزيون في مكاتبهم، لمتابعة نتائج السابق الرئاسي الأميركي أول بأول ، فان ما سيلاحظه الوفد النيابي، بالاضافة الى هذا «الشرود» في اتجاه متابعة أخبار السباق الرئاسي، ان المسؤولين الاميركيين الذين سيجتمعون معهم منشغلون بجمع اغراضهم الشخصية في علب الكرتون استعدادا لترك مكاتبهم قريباً.

    ومن المعروف ان من سيتحدث اليهم الوفد النيابي اللبناني سيغادرون مواقعهم مع انتهاء عهد اوباما وبدء عهد جديد. وبالتالي، من البديهي ان هؤلاء لن يتخذوا في هذه المرحلة قرارات جذرية، وسيكون على الوفود اللبنانية ان تعيد الكرّة مع الادارة الاميركية الجديدة.

      رابعا - ان الوفد النيابي غير مزوّد بالمعلومات التقنية التي تتيح له مناقشة بعض التفاصيل المتعلقة في حيثيات تطبيق القانون الجديد. هذه المناقشات ستكون متروكة للوفد المصرفي في زيارته المقبلة، والتي لم يتحدّد موعدها بعد.

    هل تعني كل هذه الحقائق ان لا فائدة مرجوة من زيارة الوفد النيابي الى واشنطن، وانه كان من الأجدى تأجيل هذا التحرّك الى حين تغيير الادارة الاميركية، لبدء المفاوضات مع الادارة الجديدة؟

  ما هو معروف ان أحد أهم الأهداف غير المعلنة للزيارة، تحكمها اسباب داخلية اكثر مما تنطوي على أهداف تتعلق بالتفاوض على تطبيق القانون. اذ بعدما طالب حزب الله علنا بأن تتحمل السلطات اللبنانية مسؤوليتها في هذا الملف، كان لا بد من التجاوب مع هذا المطلب، من حيث الشكل على الأقل.

  وفي غياب رئيس للجمهورية، والشلل الذي كان يسيطر على مجلس الوزراء في تلك الحقبة، كان المجلس النيابي هو المؤسسة الرسمية الوحيدة القادرة على القيام بتحرّك ما في هذا الملف.

  وفي كل الاحوال، وبصرف النظر عن النتائج التي قد تخرج بها زيارة الوفد الذي يبدأ اعضاؤه في المغادرة في اتجاه واشنطن بدءاً من اليوم، فان هذا التحرّك من شأنه ان يخفف من الضغط الداخلي على السلطة للقيام بما أسماه حزب الله واجباتها حيال مواطنيها.

  وفي النتيجة، فان التواصل مع الاميركيين يفيد دائما في توضيح موقف لبنان، والدفاع عن سمعته، واذا لم تنفع هذه الزيارة فانها بالتأكيد لن تضر، واعضاء الوفد النيابي لا يذهبون الى أميركا من أجل السياحة، لكن لا ضير في الجمع بين ضرورات العمل ومتعة السفر الى بلاد العم سام، طالما أن بعض الاطباء يقولون ان شمّ الهوا أحلى دوا.